الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

كأنكَ بمفردك

كأنكَ بمفردك
بدأت أشعر بأن ما أخاف منه يقترب.. لم أكن اتوقع أن الوقت سيمر بسرعة فائقة أكثر من حسابات السنين والشهور والأسابيع والأيام والساعات.. ترددت قبل أن أكمل وأسترسل

تدخل الطبيب قائلاً:

ــ أكمِل، كلي آذان صاغية.. استرخِ تماماً، واعتبرني غير موجود، كأنك بمفردك تماماً.


أُكْملُ حديثي:


ــ أنا الآن لست كما كنت من قبل وأيضاً لست على ما يرام.. عقلي لا يزال محتفظاً بصوري القديمة.. أشعر بأني طفل حبيس في جسد شيخ هرم، يحمل أثقالاً على عاتقيه.

بحثتُ في كل مكان عن مخرج، أو مكان أفرُّ إليه فلم أجد، وتذكرت حلمي الوحيد وأنا أركع وأنهل من ماء نهر لا يرويني، ووضعت كل ذكرياتي على منضدة متهالكة، فلم أجد ذكرى واحدة منها تسعدني.

ليست لديَّ فكرة عما يدور حولي، ولا أدري أي الأفكار يدور حولي وأيها يدور حول الآخر ـ القمر أم الشمس ـ وفقدت الإحساس بالحر والبرد، كقطعة من شجرة أصابها العفن، لو تركوها يوما آخر سيفوح منها مزيج من كل ما تحمل الأرض من روائح.

ليس هناك مكان للتاريخ عندي، فالحاضر أرحب، والواقع أليم، والناتج في كل الأحوال صفر، ولا شك أني بمفردي تماماً أملك كل الأرض التي أقف عليها، إذا كانت هناك أرض.

كل أسرارهم تطاردني، ولا أستطيع أن أبوح بأي منها للآخر أو حتى لنفسي.. مأساة أفظع من مأساة ذلك البطل الأسطوري الذي قتل أباه وتزوّج أمه، ودائماً وأبداً لا يوجد حلول أو حتى أشباه حلول.

- أرجوك ساعدني في الشفاء، ولا تنصحني بتناول المهدئات.. أرجوك افعل أي شيء آخر.

تدخل الممرضة وتحمل المرآة التي أمامي دون كلمة واحدة.. تهم بالخروج ولكنها تقف عند الباب قائلة:

- لم يعد هناك مرضى في الخارج يا دكتور.. فهل تأذن لي بالانصراف؟