الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

النسيج المصور

النسيج المصور
صبحة الراشدي كاتبة ـ الإمارات

ضاقت عليّ الدنيا، مالت ومالت معها أقداري، حدت الريح السحب، تعمدت أن تحدوها، تدفعها هكذا بعيداً عني حتى وجدت نفسي في ضياع موحش، في مكان لا يمت لي بصلة بين ذلك جبل مصعد ونهر منحدر، من أسفله صعد زورقي الصغير ومدّ بشراعه فذهب بي بعيداً عن تلك المنحنيات التي باتت تضيق صدري وتحبس أنفاسي!!

تسللت من تلك المنحدرات بهدوءٍ وأنا أدفع بقاربٍ قديم تلفت جوانبه، أسندت ظهري إلى الجانب المتهشم منه بعد أن أكلت الريح أجزاءه، أخذت ألملم أطرافه كالذي يجمع صفائح الألواح المتناثرة ويتشبث بها لعل تلك الألواح تصبح لي طوق نجاة وتنقذني من ذاك المكان.


دفعت قاربي بما أملك من قوة من أعلى إلى أسفل المجرى بين ذلك السيل الجارف أبحرت وما إن توسطت ذلك النهر أدركت أن أطرافي هي ما تهشم ولم يكن قاربي فقط.


زاد العواء من بعدي كعواء الذئاب، لم أكترث ولم أعبأ بها لم أبالِ بذلك الضجيج، امتطيت ظهر تلك الطائرة وأقلعت بي من أعلى تلك الربوة، ودّعت ذلك الصاخب الذي يثير إزعاجي ويفقدني صبري، تنفست الموج وأخرجت ما في صدري من حنين وشوق، حينئذ رفع الستار عن تلك اللوحة وذلك النسيج المصور، الذي أدرك كل واحدٍ منا، أينما ولت وجوهنا نحمله معنا.

عندما نتحدث عن النسيج المصور، هو ذلك النسيج المحفور في دواخلنا، وإن اختلفت معه وجهتنا وإن ضاعت معه خطواتنا، هي تلك البوصلة التي نعرف بها وجهاتنا وإن اختلفت عصورنا نتوارثه في جيناتنا في كل زمان وفي كل مكان بين حنايانا.

تمر بنا لحظات نشعر بأن الزمن قد توقف هناك في ذلك الوقت، وكأنما عقارب الساعة تعطلت في زمان ما في وقت ما، حدثتني نفْسي عن تلك الأيام على الرغم من أنني لم أدركها، ولكن ذلك النسيج يشعرنا بها دائماً!

طلب مني في إحدى المناسبات الرسمية، أن أشرح ماذا كنت أقصد بالنسيج المصور، الذي طالما تحدثت عنه كتاباتي؟

أخذت نفسا عميقاً بين تلك الجموع ومع ذاك الحشد صعدت تلك المنصة من وسط ذاك الجمع وكأنها تأخذني من بينهم وتضعني في أعلى قمة لها، اخترقت تلك الصفوف بخطوات ثابتة مع مزيج من التردد والضجيج الذي لا مفر لي منه، اعتليتها وشعرت حينها بأني في منصة غير اعتيادية ومسؤولية يصعب سردها بأطراف ترتعد، تشبثت بجوانب المنبر الخشبي، بدأت خطابي ومع بداية حديثي تلاشى معه ذاك الارتعاد، بدأت حديثي بقوى أجهل مصدرها، ولكن أشعر بها.

أما الآن سأمتطي صهوة كلماتي لعلي أقتني منها أجملها، لكن تتزاحم الأوراق في صدري ولا أجد ما يفسر مضمونها..

لكل منا نسيج مصور وعشق من نوع آخر، نناضل ونجاهد من أجله.. ولا عجب في ذلك العشق الذي جسده الشاعر.

وطني يجاذبني الهوى في مهْجتي

هو جنّتي هو مرْتعي هو مسْرحي

آوي إليه وملْء عـيني غـفْوةٌ

هو من أحلّق فـوْقه بجوانـحي

ما لا رأت عيْنٌ ولا سمعتْ بـه

فيه الحواري والملائك تـسْتحي

أعـنابـه منْ كلّ داليـةٍ دنت

عسل يداوي كلّ جرحٍ مـقْرحِ

أنا مرْسلٌ في غـرْبةٍ بمهـمّـة

لا أرتجي إلّا الرضا هو مطْمحي

وسط ذلك الجمع أدبر السهم من حناجر الجميع تجاوزهم واخترقني، شعرت حينها بأن العالم بأسره يسمع خطابي ويشعر بذاك النسيج المصور، أخذت موضوعي من ذلك الجمع واعتلى صوتي... موطني عشقي ذاك النسيج المصور بين حنايا صدورنا!

شاركوا بمقالاتكم المتميزة عبر: [email protected]