الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

بنت الجيران.. ووتر الذاكرة

بنت الجيران.. ووتر الذاكرة
أحمد الماجد كاتب مسرحي مقيم في الإمارات

ليست الأغنية مجرد طرب عابر، أو قصائد سُمعت هنا أو هناك، أو حتى ألحاناً وحناجر، بل هي وعاء الشعوب بتاريخهم وصفحاتهم اليومية، ثقافتهم وهويتهم وإرثهم الشفاهي وذاكرتهم الجمعية، ترسم ملامح وأشكال الحياة التي كانت في وقت مضى، وأهم عناوين المرحلة التي ولدت فيها أغنية بعينها، عاطفية كانت أو وطنية أو تعليمية أو للأطفال.

كوكب الشرق أم كلثوم مثلاً، لم تعكس في روائعها التي خطّتها أقلام أنبل الشعراء، رقيّ الأغنية العربية وصنّاعها فحسب، بل وضعت توصيفاً كاملاً للوعي العميق والحسّ العالي والذوق الرفيع الذي ساد مناخات العلاقات الإنسانية في مجتمعاتنا العربية خلال تلك الفترة، مستندة إلى سهولة الحياة وسلاستها وبساطتها وعفويتها، وإمكانية البقاء على قيد الطرب والسلطنة.


أقصى أشكال الأنس يتأتى بحضور حفلة حيّة لأم كلثوم ليلة الجمعة في مقهى أو بيت صديق يملك جهاز «الراديو»، ذلك الأنس وتلك الحميمية في التواصل اللاإلكتروني، ولّد في نفوس الأحياء من الذين عاصروا ذلك الزمن الجميل شعوراً بأنهم مفصولون تماماً عنه، وأنهم لم يكونوا يوماً جزءاً من ذلك الرقيّ الذي حدث في ماضٍ يبدو الآن أنه ضوئي وبعيد..


أم كلثوم وعبدالحليم ووردة وفايزة أحمد ووديع الصافي وميادة وصباح وفيروز وناظم الغزالي وحسين جاسم وطلال مداح وآخرون ممّن أطربوا الأجيال، أغانيهم حَرثٌ للذاكرة ولعب فوق أوتارها، إيهام تنصت لطقوسه الروح وهي تستحضر دفء جلاسها الغائبين من الذين لم يعد بالإمكان رؤيتهم أو لقاؤهم مرة أخرى، فأغنية «يا ليلة العيد» لأم كلثوم، استدعاء لكمٍّ هائلٍ من المشاعر، حيث أبي يطعم خروف العيد، وأمي تطمئن على كعك الفرن، وأخي يتهندم لصدفة تحمله إلى وجه ابنة الجيران.

ويتبلل منديل الذكريات بدمعتين..