2018-05-02
ﺍﻟﻤﺘﺄﻣﻞ ﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺟﻤﺎﻋﺎﺕ الإسلام ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻳﻼﺣﻆ ﺃﻥ هناك ﺛﻴﻤﺔ ﺗﺠﻤﻌﻬﺎ ﺟﻤﻴﻌﻬﺎ، ﻭﻫﻲ ﺃﻧﻬﻢ يرون أنهم أصحاب الحق المطلق على الأرض.
ﻫﺬﺍ الاﻋﺘﻘﺎﺩ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ ﻳﻨﺘﺞ ﻓﻜﺮﺓ ﻣﻔاﺩﻫﺎ أﻥ «ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺑاﻃﻞ ﻭﺑاﻟﺘاﻟﻲ ﻣﺘآﻣﺮ» ﻭﺃﻧﻬﻢ ﻭﺣﺪﻫﻢ ﺑﻴﺪﻫﻢ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ.
ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ قاﺩﻫﻢ ﻟﺘﺒﻨﻲ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﻀﺤﻴﺔ ﺍﻟﻤﺤﺎﻁ ﺑاﻟﻀﻼﻻﺕ. ﻟﻬﺬﺍ ﺟﺎﺀﺕ شعاراتهم ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﻣﻮﺍﻗﻔﻬﻢ ﻣﺴﺘﺒﻄﻨﺔ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻮﻗﻒ فمن شعار «ﺣﺼﺎﺭ ﺩﻭﻝ ﺍلاﺳﺘﻜﺒﺎﺭ» ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ إﻟﻰ شعار «ﺍﻟﺤﺼﺎﺭ ﺍﻟﺠﺎﺋﺮ» وﻫكذﺎ ﻫﻢ إﺧﻮﺍﻥ ﻗﻄﺮ .
وما درت قطر أنها فتحت باب العزلة الدولية عليها على مصراعيه، ولن يجديها يومئذ غازها ولا هتافات إخوانها الذين تمولهم، هتافات مثل الزبد تذهب جفاء ولن تحرك حجراً من مكانه.
تتوهم قطر أن مقاطعتها التي تسميها مراوغةً «حصاراً» تشبه ما فعله القرشيون مع الرسول الأكرم في شعب بني هاشم. وشتان بين رسول حرر الناس بالإسلام وإخوان يريدون تقييدهم به والتسلط على حياتهم ومعاشهم عبره. إﺧﻮﺍﻥ ﻗﻄﺮ ﻳﻈﻨﻮﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ في ﻣﻌﺮﻛﺔ أيديولوجيا ﻭليسوا إزاء ﻇﺮﻭﻑ ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ واقعية ودنيوية، ﻟﺬﻟﻚ ﻟﻦ ﻳﺘﺮﺍﺟﻌﻮﺍ ﺣﺘﻰ يحدث ما لا تحمد عقباه.
ﺗﺪﻭﻳﻞ ﻗﻄﺮ للمقاطعة ﻭﺍﻟﺘﺴﻮﻳﻖ ﺧﺎﺭﺟﻴﺎً لها ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﻓﻬﻢ ﺃﺳﺒﺎبها ﻭﺩﺭﺍﺳﺘﻬﺎ ﻳﺆﻛﺪ ﺃﻥ ﺍلعقل السياسي القطري غائب عن وعيه حالم بوهم أنه يحمل «راية الإسلام»، لذا فالمقاطعة وفقاً لوهمه إنما هي «ابتلاء إلهي» و«صبر مقدس».
وأنهم ماضون في تصديق قصتهم الموازية للواقع على أنهم حماة دين الله .. وهذا وهم أطاح بالحياة المدنية الطبيعية في بعض دول كانت من أغنى الدول العربية.
وقطر سائرة على الدرب .. سائرة إلى هاويتها المحتومة، غارقة في أيديولوجيا تختطف الإسلام وتسترزق منه.
إن قطر ماضية في النأي عن إخوانها لترتمي في أحضان أعداء الخليج وما درت قطر أنها الكبش المكتنز القادم على ولائمهم.
إنني أتأسف على أموال كان يمكن لقطر أن تصرفها في تنمية أشقاء العرب بدلاً من أن تبددها في دعم الحركات الأصولية التي لا هم لها سوى تدمير الدولة الحديثة ورفع شعاراتها القروسطية السوداء والرجوع بها قروناً للوراء.
أموال تصرف على الانتحاريين ودعاة التكفير بدلاً عن الفكر الحر والإبداع والتطوير.
ولكن ثمة خلل في «ساعتهم العقلية» فبينما العالم يحرك عقارب ساعته نحو المستقبل تحرك قطر بوصلتها إلى التاريخ لتستعيد وهماً لا وجود له إلا في عقول إخوانها الذين تمولهم.
أخيراً أقول إن الإسلام الذي نعرف هو إسلام الحرية والتسامح والعقل النقدي، وليس إسلام «رفع المصاحف على أسنة الرماح».