الاثنين - 17 فبراير 2025
الاثنين - 17 فبراير 2025

ورش المواهب

في السنوات الأخيرة، انتشرت في العالم العربي ظاهرة إقامة الورش (الإبداعية) لتعليم فن الكتابة السردية لمن يطمح إلى أن يكون كاتباً قصصياً أو روائياً. والحق أن فكرة إقامة مثل هذا النوع من الورش تعود إلى البلاشفة الروس الذين أرادوا ـ في السنوات التي تلت ثورة أكتوبر 1917- تعليم العمال والفلاحين الشباب، من خريجي المدارس الإعدادية تقنيات الكتابة الأدبية وخصوصاً النثر الفني، ليحلوا محل الأدباء (البورجوازيين) حسب زعمهم. ولكن هذه التجربة فشلت فشلاً ذريعاً ولم تخلق أي روائي أو قصصي مبدع حقيقي، إلا من كان في الأصل صاحب (موهبة) أدبية. الموهبة فطرة مطبوعة تظهر في سنوات الشباب المبكرة وتصقل مع اكتساب الخبرة، وقد تتحول بإدمان المزاولة وطول العلاج إلى مهارة لا يمكن لمعظم الناس الوصول إليها، وهي تسمح لصاحبها بتحقيق أكبر قدر من النجاح في مجال تجليها. قد يكون الشخص موهوباً في مجالات عدة من النشاط الإنساني، ولكن الموهبة في الأغلب تقتصر على مجال أو نشاط واحد. وأصل كلمة موهبة (تالينت) في اللغتين الإنجليزية والفرنسية و(تالانت) في اللغة الروسية، يرجع إلى اسم عملة فضية يونانية قديمة (حوالي 400 سنة ق.م) .. وفي العهد الجديد (الجزء الثاني من الكتاب المقدس لدى المسيحيين) مثال عن العبيد الثلاثة الذين أعطاهم مالكهم عدداً من (المواهب الفضية) قبل سفره، وطلب منهم التصرف بها أثناء فترة غيابه. دفن أحد العبيد موهبته في الأرض، وتمكن الثاني والثالث من استثمارها في زيادة رؤوس أموالهما. وبعد عودة الملك، سأل عبيده الثلاثة عما فعلوا بمواهبهم. استخرج العبد الأول موهبته الوحيدة من تحت الأرض، فعاقبه الملك باستعادة الموهبة منه وأعطاها لعبد آخر، كان قادراً على مضاعفة مواهبه أكثر من أي شخص آخر. وقدم العبدان الآخران موهبتيهما مع أرباحهما، فأشاد بهما الملك ووعد بتكليفهما بمهمة الإشراف على الكثير من ممتلكاته لكونهما مخلصين. وفي العصور الحديثة انتشرت كلمة «الموهبة» بالمعنى المجازي: بوصفها هبة ربانية، أو فرصة ينبغي عدم إهمالها، بل السعي إلى الاستفادة منها في سبيل خلق شيء جديد. الورش (الإبداعية) لا طائل منها لمن لا يجد الموهبة في فطرته. وهي لا تصنع كاتباً مبدعاً، لأن الإبداع يعني التفرد والخلق. وقد يتعلّم البعض تقنيات الكتابة النمطية إلى هذا الحد أو ذاك في مثل هذه الورش، ولكن الكتابة النمطية هي عجز عن الإبداع الحقيقي، إن لم تكن قتلاً للموهبة عن طريق توجيهها إلى كتابة نمطية لا قيمة لها. فالإبداع هو أن تخلق عالمك الافتراضي الخاص الذي لا يشبه أي عالم آخر. وأسلوبك المتميز الذي لا يمكن تقليده. وكما يقول (بيفون) الأسلوب هو الإنسان .. ذات مرة كان الكاتب سنكلير لويس يحاضر عن المهارات الأدبية في إحدى الورش (الإبداعية) ووجه سؤالاً إلى الطلبة المتدربين: - هل أنتم جادون في أن تصبحوا كتاباً؟ فأجابوا بصوت واحد: أجل. فرد عليهم سنكلير قائلاً: إذن لماذا أنتم هنا ولستم في بيوتكم لتكتبوا!