الخميس - 15 مايو 2025
الخميس - 15 مايو 2025

حديث صامت

حمل هاتفه ليكلم تلك التي تنتظره ساعات بشيء من التعب والكثير من الوجع الصامت. سألها عن حالها العميق، صمتت .. لتعود بسؤالها له وماذا عن حالك؟ فصمت وجال الصمت أرجاء المكان ليشعرا بأن كلاً منهما قد ذهب، ولكن لم يذهب .. بقي فقط صامتاً .. لايعلم ما يريد، ولا يعي ماذا يقول .. فقط صمت، وهي تسمع ذاك الصمت الذي ترنح بين هاتفها وتلك السماء الشاسعة. هي تتكلم عن بعض الأشياء بسخف وهو يسمع ويجيب بشكل لا مبالٍ .. وشعرت هي بشيء من الكلام الكثير الذي دُفِنَ بين ذاك الصمت اللعين .. ليعتذر ويطلب الإذن ويرحل .. أو ليهرب أو حتى ليكمل ما في جعبته من أفكار لا يعلمها أحد. وانتهت المكالمة لتسجل الرقم القياسي بتلك الكلمات الكثيرة التي دفنت، ولكنها كانت أعمق من ذاك الصمت والكلام الحزين .. ليكون الصمت أصدق من كلمة واحدة تُقال دون معنى. واستمر الوجع ليقبل قلوبنا قبلة تجعلنا نذرف من دموع العمر بحراً، ومن قطرات المطر سحابة .. وتنتهي .. وننتهي مع تلك المكالمة الصامتة. ترك هاتفه، وسرح بخياله بما جرى متسائلاً: ماذا حدث؟ ولمَ لم يستطع الكلام؟ وتوارد على ذهنه أنه نادم على تركه المكالمة والرحيل لأن ما في جعبته كثير ليقوله، ولكنه تلاشى إلى صمت مطبق وعذاب مكبت .. ليجلس وحيداً مع زوايا غرفته ليتأملها مع أشيائه المرمية هنا وهناك، ليمسك سيجارته ليبدأ بعداد نسيان ذلك الحديث الصامت، ويثرثر بقلبه عنوةً .. وكل أفكاره التي أبت الهروب بعيداً تلاشت. يتنهد تنهيدة المساء بتعب وملل، ويرتشف قهوته بازدراء ويستمر ذاك الصمت اللعين .. لتكون هي قد أقفلت ذاك الهاتف بيدين مرتعشتين لتمسك وردتها التي كانت قد حملتها بمنتهى الحنان في العالم، لتقسو فجأة على أوراقها وتغرز كل همها على تلك الوردات، وأمسكت وريقاتها تسألها .. لم صمتّ ولم أتكلم، ولما احترقت؟ ألهذا الحد كنت صماء وبكماء حدّ الألم؟ ودق قلبها بقوة ليجبرها على الصمت بدموع نزلت من تلك العينين الغافيتين، وبتنهيدة وجع مطبق شعرت بأنها تريد أن تقول بصوت عالٍ .. نعم كانت تريد أن تقول الكثير ولكن خانتها الكلمات وخذلها صوتها وربط لسانها لتصمت وقلبها يصرخ بالكثير .. لم يكن أحد منهما يعي ما حدث، ولكن ما حدث هو فقط حكاية صمت حائرة .. وتستمر الحياة.