2018-05-13
كلٌ يسميها حسب موقفه المبدئي منها، مع أن تسميتها بالخريف جاءت لاحقة على تسميتها بالربيع العربي الذي بدأ أول أعاصيره من تونس الخضراء بعد أن أضرم في نفسه النار الشاب محمد البوعزيزي، وذلك في نهايات العام 2010 عندما ألحقت به مراقبة البلدية إهانة شخصية قبل أن تصادر العربة التي كان يبيع عليها الخضار، إذ كانت هي وسيلة رزقه الوحيدة، مثله في ذلك مثل مئات الآلاف من الشبان العرب الذين يعانون البطالة والفقر في ظل أنظمة فاسدة مستبدة.
توفي البوعزيزي بداية العام 2011 متأثراً بحروقه، وارتفعت حدة هياج الشباب وحماسته. وواقع تلك الحقبة يؤكد أن هذه الفورات الشابة كانت حدثاً تاريخياً طبيعياً بل ومتوقعاً تسبب به الانسداد التاريخي في الإقليم العربي بسبب تخلف معظم أنظمته، وفقدان الشبيبة تبعاً لذلك كل أحلامهم وآمالهم، خصوصاً أن رؤوس كثير من هذه الأنظمة الاستبداية المقنعة بديموقراطية شفيفة قد طال بقاؤها في السلطة، بل أخذت بعض الجمهوريات تتجه لنظام التوريث .. فانفجر شبان العرب بجميع توجهاتهم الفكرية والأيدولوجية في صرخة يأس واعتراض، والأغلبية كانت تدفعهم حمية الشباب وآمال الانعتاق من هذا المأزق!
هل كانت هذه الثورات مؤامرة منذ لحظتها الأولى؟ أستبعد ذلك تماماً، فقد كانت كما أسلفت حدثاً طبيعياً قبل أن يجري اختطافه من قبل الإخوان وإيران، والعمل على توسيعه؛ لذلك فمن الخبث أن يوصف أنصار بداياته بالخيانة والتآمر، ومن التعمية والتعتيم وصفه كله بالمؤامرة وكأنه لم تكن هناك ظروف موضوعية وتاريخية تُحتمه. فقد أعلن الرئيس التونسي فهمه المتأخر لهذه الحتمية قبل أن يفر من بلده باحثاً عن مكان يؤويه، وفهم الكثير من العقلاء في أماكن أخرى هذه الحتمية، ولذلك تمكنوا من إدارتها الإدارة المُثلى متوخين تقليل تداعياتها وأضرارها ما أمكن ذلك، جاهدين في الوقت نفسه لتغيير الواقع الذي أنتجها وفجرها.
عملاً جاداً لإزالة هذا «الانسداد التاريخي» الذي هو في الحقيقة وصف للدكتور هاشم صالح - تمثل في تلك الخطط التي تتناول المستقبل، وتخطط له بطموح، حيث عادت آمال الشباب، وبدأت سُحب تشاؤمه بالتبدد، حالماً بمستقبل مشرق، وبأوطان ناهضة، يتشارك جميع أبناؤها في بناء وتشييد نهضتها، وفي حمايتها والذود عنها.