الأربعاء - 14 مايو 2025
الأربعاء - 14 مايو 2025

استيراد الأسطورة الغربية

هناك مثل شعبي يقول «زامر الحَي لا يُطرِب». وعلى الرغم من طرافة هذا المثل فإن فيه من الحق ما صَدق ومن البرهان ما وَجب. وإلا فمن يفسر لنا تعلقنا الشديد بكل ما هو أجنبي وسأمنا الرهيب من كل ما هو محلي؟ إن نظرة بسيطة متوازنة تؤكد لنا الدرجة المخيفة التي وصلنا إليها في تبعية الإنتاج الغربي بكل أصنافه. وهذه القضية لا تمس أبناء الجيل الحاضر بقدر ما مست الأجيال السالفة، وهي في ازدياد مطرد. فالإنسان العربي لم يبرز سوى في أوائل العصور الوسطى على يد ابن سينا وأبي بكر الرازي وابن حيان وابن النفيس وقلة قليلة معهم، ثم خبى نوره ولم يحظ بتهافت الغرب على منتجاته، صناعية كانت أو فكرية منذ ذلك العهد وصولاً إلى عهد المخترعات في القرن الحادي والعشرين. إن تهافت العرب على استيراد كل ما هو أجنبي على نطاق البلد الواحد واستيراد كل ما هو غربي على نطاق المجتمع العربي ككل، له بالنظر إلى الحاجة المؤقتة وعليه ما يسوءه بالنظر إلى المدى الذي لا نعرف له حد. فالاستيراد مطلوب بلا شك إذا ما اقتضت الحاجة اللازمة كنقص الخبرات العربية، ولكنه يتحول إلى سيطرة أجنبية غربية بفعل التبعية اللامسؤولة وقد تحول كذلك بالفعل. إن الأسطورة الأجنبية، كما تبدو في عين الإنسان العربي، لم تصنعها الصدفة بل صنعها الإنسان العربي نفسه باعتماده وتبعيته التي لا تتوقف، كما شاركه الغربي في ذلك عندما لم يشبع نهم الإنسان العربي وتركه باحثاً عنه. فنحن نثق دائماً بالمناهج الغربية على اعتبار ماوصلت إليه من يقين معرفي، ونثق بالمستشار الأجنبي على الرغم من أن نجاحه قد تحقق في بيئة مختلفة وفي ظروف غير الظروف التي نحاول معالجتها. إن البعض يؤمن حقيقةً بهذه الأسطورة، ويشعر بعدم الاطمئنان إزاء الإنسان العربي. وهو على حق طالما لم يعطَ الإنسان العربي حقه من الثقة. وطالما شاهد بأم عينه الاستمرار في إعطاء الإنسان الغربي الحق في حل مشاكله التعليمية والصناعية. نعم، إن المناخ غير ملائم لأي إبداع عربي في ظل هذا الحق الغربي المُطلق. ولن يتهيأ لنا هذا المناخ إلا بتقدير الإنسان العربي ومنحه الثقة اللازمة والاستثمار في تطوير قدراته، وقصر استيراد الأساطير إلا عندما تقتضي الحاجة وجود أسطورة.