الاثنين - 17 مارس 2025
الاثنين - 17 مارس 2025

عقلي ليس للإيجار

مادمت على قيد الحياة فعليك أن تؤجر عقلك على الأقل لتستفيد من العائد المادي الذي سيدفع فيه، خصوصاً أن هناك من يخاطبك يومياً عن الفضيلة والحكمة ومساعدة الفقراء وهو يتقاضى ملايين الدولارات من القنوات الفضائية التي يطل عليك منها. لا بد أن تكتب على ظهرك: عقلي للإيجار، ليس حباً في إيجاره أو العبث بمقدراته أو الإعلان عن رفضك لهبة وهبها لك خالقك، وإنما من الظلم أن تمتلك شيئاً ولا تستفيد منه، ومن العار أن تتركه فارغاً بلا استعمال، حتى إن الأمثال الشعبية تنصحنا بألا نترك البيوت فارغة لأنها تحزن. ولمَ لا؟ فأنت لست أول من يؤجّر عقله، غيرك تركه بلا ثمن لمن يعبث به ويحشوه بالفكر المسموم لهدم أوطان علمتنا أمهاتنا عشقها وحبها، وأصر آباؤنا على ألا نخذل الأسلاف ولا الأحفاد بترك أرضنا لمن يطأها بغير وجه حق، تعلمنا في التربية القومية أننا نعيش في وطن التسامح والفضيلة، تعلمنا أن نموت دفاعاً عن العرض والأرض. اليوم نرى إعلاميين تبنوا فكرة السمسرة واستئجار العقول تحت مسمى التوك شو أولاً لملء المساحات الفارغة من الهواء الفضائي والكسب السريع للإعلانات، وفي الوقت نفسه يدعمون فكراً موجهاً طعامهم فيه عقول الغلابة والمساكين، وهذا ملاحظ جداً حين يطلب من أصحاب العقول أن ينصتوا لهم ويؤجروا عقولهم. علينا أن ننتبه ونكتب على ظهورنا، عقولنا ليست للإيجار، علينا أن نستعملها لأغراض مميزة ولقوة تحمينا من غدر ملاك العقول الجدد، علينا أن ندرك أن مقدرات الدول تنهض بقادة لهم رؤية نشاركهم فيها، فلا داعي أبداً للإصغاء لسمسار يأتي يومياً ليبث علينا ما يملى عليه، ويجيد التمثيل والتشخيص مستعملاً ملامحه ونبرات صوته، وإذا احتاج الأمر إلى البكاء فلا مانع. ليست برامج التوك شو وحدها دكاكين سمسرة لاستئجار العقول، ولكن هناك جهات أخرى تؤجر بالقطعة والجملة، فانتبه لأن المندوبين العاملين فيها يجيدون الاستئجار ومنهم من يحول العقل إلى التمليك بلا مقابل، فنجد أنفسنا فريسة لكلمات تعايشنا معها طوال العمر على أنها من الصفات الحميدة، وإذا بنا نكتشف أنها من الكلمات سيئة السمعة، والسبب في ذلك الفراغ الذي يعيش فيه معظم من فقد الوعي وترك نفسه للتخبط المعلوماتي من دون تدقيق وتمحيص يؤهله لاتخاذ ما يلزم تجاه ما يسمعه طوال اليوم. ما نراه على مواقع التواصل الاجتماعي يدعو إلى الحزن والألم، بل الحسرة على عقول جرى استئجارها، ومنها ما جرى بيعه بالفعل بلا ثمن، فما من خبر يصدر أو كلمات تدوّن إلا ووجدنا صراعاً بين مؤيد ومعارض، والغريب أن الموضوع برمته في الأصل نشر من باب الدعابة والكذب، فبأي عقول نفكر وبأي نمط حياة نعيش.