الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

شرفة الأحلام

بعد أن أسدل الليل ستاره ومدّ ظلمته، في لحظات أرعد فيها السّحاب وهاجت الرياح وأخذت الأمواج تتلاطم على قاربي الصغير، توسطت فلك البحر بلوح خشبي تلفت أطرافه، دنوت منه فحقّ الخوف بقلبي وزاد الهلع في ليلة قارّة قرس فيها الماء وقسا البرد، وتصلّبت أطرافنا فعجزنا عن الحركة، تشبثت بمقعد جانبي على حافة لوح رفيع ليصدّ عني الموج العنيف، أستند إلى الله، قلت حيلتي، أنجد الدّعوة سائلةً المولى أن يقودني إلى بر الأمان، سكنت الرياح وهدأ الموج، وانقشعت الغيوم، وبدأ قاربي يشق عباب البحار. عاد الموج ليراقصني فأسندت ظهري إلى زاوية القارب إلى أن أماه المطر بقاربي، فلم أتدارك موقفي بين أضلاعي، سكنت قطراته ومن بين يداي تسلّلت ذرّاته، إلى أن توقف المطر وهدأت أنفاسنا. بعد اضطراب طويل لاح نظري إلى اليابسة التي بدأت تتضح معالمها من بعيد، فابتهج قلبي بعد البرد القارس، ثم أسندت قاربي إليها، وإذا ببيت صغير له نافذة واسعة تدرّجت إليه بأقدام لا تطأ المياه الباردة، دخلت البيت، وإذ بسرير تحت النافذة. تعددت الخيارات المتاحة، واتّسع الأمر لأكثر من وجه، فإما أن أستلقي على السرير بعد أن جهدت فوق طاقتي وأثقلت المتاعب كاهلي، أو أن أستمتع بالنّظر إلى إبداع الخالق. بعد أن خسف الضّوء وزورت الشّمس بالمغيب انعطفت إلى سريري، بعد أن لاح ضوء القمر وانعكس على سطح البحر فتسلل ضياؤه إلى نافذتي وانعكس في عينيّ خافتاً، أغمضت طرف عينيّ فأطبقت جفوني. نمت ملء جفوني، مطلقةً العنان لمخيلتي فألقت بي على شرفة في ساحل آسيوي يرتطم بحره بنافذتي لأستيقظ على إشراقة شمس يوم جديد، يوم حلمت به كثيراً فلطالما داعب مخيلتي حلم الاستيقاظ كلّ صباح على صوت بلبل يغرد حباً وجمالاً، بلبل وديع متفرد في وسامته، عذب في تغريده، يسكن بصوته اضطرابات مشاعري ويطفئ لهيبها، وكأنما يعزف سيمفونيةً لترويض الأهواء العنيفة من حوله. كم يروق لي الجلوس إلى جانبه واحتساء فنجان قهوتي في حضرته، وكم يطيب لي تغلغل أناشيده العذبة في القهوة التي أرتشفها، وكم يسعدني النظر إلى عينيه والإبحار في سماء أحلامي معه، كم يشدني حلم أن يوقظني كل صباح بصوته العذب الذي يضفي دفئاً يبدد برودة صباحي. فجأةً وبدون سابق إنذار، دقت الأجراس من خلف الستار، وتسارعت نبضات قلوبنا وتخلخلت موازيننا واضطرب خفقان القلب، وها هي من خلف الستار تزداد خفقاناً لتتسلل من بين جوارحنا لتفرحنا تارةً وتؤلمنا تارةً أخرى!! فتحت عيني وذهبت أحلامي أدراج الرّياح، ولم أرتشف قهوتي في ظل دفئه، فكانت أحلامي بلا طائل، فتلاشى ضوء القمر ليستبدل بليل قاتم في سواده لا أفق فيه لضوء الصباح.