الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

ساحل المصطاف

من هنا جلجل الفرس وأظهر صهيله، من هنا صعد وارتفع، من هنا عال واعتلى، من هنا استعدى وعدا عدا ثم عدا، سبح وسط الضباب واختفى وتوارى في مكان لا يفطن له أحد، أمالته الرياح يميناً وشمالاً، يتراقص بجماله وسط الضباب على ساحل المصطاف، ذكر أن له جمالاً يبهر الأنظار، له بياض ناصع يشد العين، وشعر مسترسل بين الكتفين زاده الله من الجمال خيالاً، ومن الحسن قساماً. يتخذ من العظمة تعاظماً ومن الكبر كبرياء ومن شكيمته صفات، ومن شموخه شمخرة، إلى أن طال واشتد ارتفاعه، زهو وحلي يتميز بها، خطت به قدماه من بين الأنهار، ودق إلى نهر هده العود وجلد سطحه، ضرب برجله في زاوية له تخبط الجليد برجله، وكأنما أصابه بمس من الجنون. تهشم وتطاير الجليد هنا وهناك، ومن بين المياه القارسة أسبل الفرس رأسه وسط المياه الباردة، انغمس فيها وغمر نفسه من بينها، كسر عطشاً دام له أعواماً. رفع رأسه بعجالة، مع جريان المياه في جوفة وتدفقها من بين أنسجته أغمض طرفه وأطبق جفنيه، وإذا بمهرة تهيم على وجهها تتخبط على غير هدى، لها من الغطرسة مزايا ومن الغطرفة مزيج ومن التباهي غرور. زادها الله سحراً .. فتح عينيه والتقى السهمان، ولم يطرف بهما متأملاً جمال ما يرى، شخص بها وانعكس ضياؤها في العيون .. وأحاسيسها الدفينة تعول ألماً وحزناً. قال لها: يوقظني الليل ويرهقني الأنين. قالت له: عال السهم وعال الأمر، فكل منا تلقى من أعلى السيف ضربة تنحي عنا الآمال، تكالبت علينا السنين واستطاعتنا لا تقوى، ضربت بسهم مصيب وعالت في مشيها شخصت الجبال وبرزت من بعيد. من هنا أبحر وسط الجليد مع تضارب تيارين في آن واحد، ألم لا تقوى عليه الجبال، تدفعه نحوها وانعكاس قوة الجليد، هكذا جرت العادة مع كل ألم يسكن صدره، ولا يستطيع الوصول له، يترنح بين الوديان بحثاً عن سبل يخرج بها ضجيجه الداخلي وألمه الدفين.