2018-06-07
بعض أصناف البشر اعتادوا الروتين، وجعله واحدهم أسلوباً ومنهجاً له في حياته اليومية. إن الرتابة الدائمة بطريقة روتينية في الحياة، والسير على وتيرة واحدة، قد يضفيان على الحياة ظاهرة السآمة والملل، ونتيجة لذلك ترى بعض الناس يسأمون حياتهم، فكل يوم يستيقظ في الوقت ذاته، يختار الملابس ذاتها، يتناول الوجبات المشابهة، يرى الأشخاص أنفسهم، روتين قاتل، يجعلك تشعر بالملل والاكتئاب، وذلك بسبب غياب عنصر التجديد والتغيير، فالحياة أجمل من هذا كله.
نرى أن الرتابة المستديمة والعيش في صندوق مغلق أقرب لإعطاء التشاؤم والملل، إنما التعامل في الأفق المفتوح والبحث عن التغيير والتجديد الإيجابي، بلا شك يشعرك بالراحة والسعادة والاطمئنان النفسي.
إن ديننا الحنيف أعطى للحياة طعماً وألواناً مختلفة، ترمي خلفها كل ملالة وكل سآمة حتى تصبح الحياة طيبة، كما قال الله سبحانه وتعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً من ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً).
وما شهر رمضان إلا كسر لرتابة العام، وما صلاة الجمعة إلا كسر لرتابة الأسبوع، وما الصلوات الخمس إلا كسر لرتابة اليوم، وما ليلة القدر إلا كسر لرتابة الليالي، وفي كل محطة من هذه المحطات يستطيع المسلم أن يجدد إيمانه وأسلوب حياته، ويقف أمام معان جديدة تطور من ذاته.
يجد الإنسان متعته بكل ما هو جديد ومتغير من حوله، لذا نجد أن الجديد دائماً يحرك في أنفسنا الرغبة للبحث، ويشحذ طاقاتنا ويعطينا لذة ومتعة وشعوراً بأن «للحياة متعة». وشهر رمضان عطية ربانية ونفحة إلهية، فيه يستطيع المسلم أن يرفع من معنوياته ويجدد حياته، ويبعث فيها التفاؤل والأمل.
إن بإمكاننا أن نضع لأنفسنا أهدافاً في هذا الشهر المبارك، ونخوض التجربة الحقيقة في اختبار قدرات الذات. إن المحافظة على صلاة الجماعة، والحفاظ على ورد معيّن من الراتبة والنافلة هدف سامٍ، يمكن أن نحيا من أجله في هذا الشهر، لما فيه من فضل عظيم ومكانة كبيرة في الإسلام. وأيضاً من الأهداف التي يمكن أن نجربها في رمضان ألا نغتاب أحداً، ولا نأكل لحوم بعضنا، ونحرق حسناتنا، ويمكن كذلك خوض تجربة مع النفس في هذا الشهر، أن نخلص في أعمالنا، ونلتمس كل فضيلة، ونحرص على أبواب البر والتقوى في هذا الشهر، بدءاً من إجابة المؤذّن، وانتهاء بإماطة الأذى عن الطريق.
من لا يستطيع بالأمس ختم القرآن يمكن أن يجرب اليوم، ومن لم يتمكن من دفع الصدقة بالأمس للفقراء والمساكين فليحاول اليوم، شريطة أن يجرّب وعنده النية الصادقة لتحويل أمنيات الأمس إلى تجارب حية في هذا الشهر المبارك، والعمل على تغيير العادات السيئة واستبدالها بعادات حسنة.
مِنْ كرم اللهِ علينا أنْ جعلَ لنا مواسم مختلفة عمَّا اعتدنا عليه؛ ففي تجديد نِّظامِ حياتنا فوائد كثيرة على حياتنا وعلى المجتمع، وما شهرُ رمضانَ إلا أنموذج صريح على هذه الهبات الربانية؛ حيث يحسن من عادات الناس وطبائعهم، ويرتقي السلوك البشري، وتزيد حركة الإحسان وينشط أهل الخير في أعمال البر على مستوى جميع الصعد.
وعبادة الصوم عبادة عظيمة، إذ تتولى الإنسان بجميع جوارحه فتعيد ترميم ما فسد، وإحياء ما مات، وتصحيح ما انحرف.