السبت - 15 فبراير 2025
السبت - 15 فبراير 2025

مع الجماهير

في الماضي عندما كانت توجد خطابات تاريخية لأحد الزعماء ووسط هذه الحشود الهائلة المتحمسة والمتعصبة لا تستطيع أن تحكم على حقيقة اقتناع هذه الحشود بالخطاب من عدمه. فالكثير من الخطابات الجماهيرية والتاريخية تَبين بعد فترة من الزمن أنها كاذبة أو خادعة، حيث طُمست الحقيقة بشكل يثير التساؤل والتحليل. فوسط الهتاف والحماس لا يوجد تفكير ولا توجد فرصة للنقاش. حينما تكون وسط أمواج من البشر تسير في اتجاه واحد، فإذا حاولت الوقوف للحظة واحدة فسوف تدهسك هذه الحشود تماماً وتعد وقوفك هذا خروجاً عن الطبيعي والمألوف كما كان يحدث في خطابات هتلر. تلعب لغة الجسد ونبرة الصوت واختيار الجمل بعناية فائقة وأيضاً ترتيب هذه الجمل وأثرها النفسي وعمقها الفكري ودراسة التوقيت الذي تجري فيه مواجهة الجماهير دوراً مهماً في قوة الخطاب نفسه. الكلمة عندما تخرج من شخص مسؤول ليست كتلك التي تخرج من شخص عادي، فلا بد أن تكون محسوبة وصريحة وموجهة حتى لا يجري توجيهها في سياق مختلف، ومن ثم تكون لها عواقب وخيمة. على مدار التاريخ لو حللنا خُطب الزعماء السابقة الشهيرة ودراسة الظروف التي جاءت فيها وتأثيرها في فترات عصيبة مر بها العالم فسنفهم الكثير من المواقف التي كانت غامضة وقتها والنتائج التي أدت إليها. ومما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي قللت من أهمية هذه الخطابات عن السابق في زمن لم يكن هناك تواصل مع الجماهير سوى أثير الإذاعة أو قنوات التلفزيون من دون أي تأثير يذكر للجماهير أو مشاركة منها في صناعة الحدث كما يحدث هذه الأيام.