2018-06-10
ترفق رمضان مهلاً فما زالت القلوب قاسية عطشى، بالأمس كنا نقول رمضان أهلاً والآن نقول مهلاً. ما أسرع خطاك تأتي على شوقٍ وتمضي على عجلٍ، فسبحان من وصفك بــ (أيام معدودات) الصوم جنة صائم من مأثم، ينهي عن الفحشاء والأوشاب. الصوم مدرسة التعفف والتقى وتقارب البعداء والأغراب .. الصوم رابطة إخاء قوية، وحبال ود الأهل والأصحاب.. الصوم درس في التساوي حافل بالجود والإيثار والترحاب شهر العزيمة والتصبر والإباء، وصفاء روح واحتمال صعاب.
السباق مع العشر الأواخر من رمضان قد اشتد، والجنة تزينت لمن جدّ، فليكن شعارك لن يسبقني إلى الله أحد، فلا تتألم لرحيل الشهر الفضيل، لأنه سيعود ولكن تألم أن يعود وقد رحلت. وليكن صومك صوم مُودِع، وقيامك قيام مُودِع، فمازال في رمضان بقية لركعة، لدعوة، لدمعة قد تغير مجرى حياتك كلها .. فاغتنمها، ولا سيما في جوف الليل وقت ينام فيه الخلق، ويقطع آخرون ليلهم بالمعاصي والمجون، لربما يقذف ربك في قلبك انشراح صدرك لحب قراءة كتابه الكريم، فتحفظ منه ما شئت برحمته وسابق منّنه عليك لا لفضل ذهنك وسرعة حفظك، ولربما يجعل في قلبك نوراً، فمنه تفهم وبه تبصر وتنتفع وتنطق بلسان البصيرة، ولربما يصطفيك الله بلطفه الخفي العجيب، ويسوقك لطاعةٍ أنت غافل عنها فتغيث عبداً ملهوفاً ضاقت عليه الأرض بما رحبت، ويكون هذا المحتاج رحمة بك وبركة عليك.
ولربما يصطفيك الله فيجعلك داعياً إليه، معرّفاً به وبشريعته بأفعالك قبل كلماتك التي تحمل بين ثناياها نوراً يستضئ به جاهل، ويهتدي به ضال، ويستفيق به غافل، ولم لا فلو أعطيت القرآن قلبك وكامل حواسك، لأعطاك رب العباد صلاحاً وتقوى، وكان لك منهاجاً ونبراساً وسراجاً وهاجاً تستمسك به في زمن الظلمة وعند تلبُّس الفتن وتواتر المحن فهو بوابة الفلاح، فلتجعله رفيق عمرك لا رمضانك فحسب، ولتعلم أنه من يخشع في صيامه ويصون جوارحه سيتمنى لو أن العمر كله رمضان؛ لذا فلتستغل العشر الأواخر، ولتستحضر معاني مرتبة الإحسان بأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
ولتخشع في القيام فالخشوع ينسيك الظمأ والجوع ويسمو بروحك نحو الإيمان والكمال، ولتجتهد في الدعاء في جوف الليل والناس نيام فهذه كلها من ثمرات الصيام الحقيقي الطاهر الخالي من الزور واللغو والفجور الذي لا يجني صاحبه من صيامه سوى الجوع والعطش، وبمشاعر تلامس عنان السماء حباً ووداً.
أسأل الله لنا ولكم أن يبارك في السويعات الباقية، اللهم كما أكرمتنا ببلوغ رمضان أكرمنا ببلوغ تمامه وحسن العمل والقبول والعتق من النيران، ولا تجعلنا من الخاسرين في رمضان، واجعل الريان بابنا والكوثر شرابنا، واعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا من النار، اللهم واجعل سعينا فيه مشكوراً وذنبنا مغفوراً وعملنا متقبلاً، اللهم لا تخرجنا منه إلا وقد أصلحت أحوالنا وغفرت ذنوبنا وتقبلت طاعتنا، اللهم وبلغنا ليلة القدر واجعلنا من عتقائك من النيران اللهم آمين.