السبت - 15 فبراير 2025
السبت - 15 فبراير 2025

الحضارة والمدنية والإنسان

منذ نشأة الإنسان وهو في حوار فكري مع الطبيعة ومحيطه الذي وجد فيه، يجتهد ويسعى من أجل التعايش والبقاء، يتفاعل مع من حوله وتتمازج الأفكار لخلق نسق فكري وإطار ينظم ما له وما عليه، يمضي قدماً نحو خط الحياة فيواجه الجديد في هذا الطريق، ويتعامل معه وفقاً لما تعلمه من مكونات البيئة المادية والمعنوية، ينتج فكراً بناء على ما يملكه من فنون حياتيه هذه الفنون تسمى الثقافة ونتاجها فكر مستقل يعبر عن الحضارة التي بناها من خلال مسيرته. سعى الإنسان منذ الأزل للحفاظ على حضارته التي صنعها، ويأتي من بعده ليكمل المسير مفاخراً بها مستفيد من الجيد فيها مضيفاً الجديد لها بما يتناسب مع الحال القائم، وهذا ليس محصوراً على حضارة معينه، بل سمة مشتركة بين كل الحضارات. قامت حضارات عربية عديدة ساهمت في رسم ملاحم العالم وتكوينه، وتوالت الأزمان حتى أتى زمن القبيلة بمفهومها المتعارف عليه، وكانت القبيلة والقبلية السمة البارزة للتكوين العربي ولعل زمن ما يسمى بـ «الجاهلية» هو المنطلق الأساسي للأفكار والعادات القبلية. أتى عصر الإسلام وقضى على الكثير من الأفكار السيئة، وصحح بعض المفاهيم وأصبح الفكر في حالة صراع ما بين المفاهيم الجديدة وما تعودوا عليه من أفكار سابقة. أصبح لدى المكون العربي فكر قديم وفكر جديد وتطور مستمر في جميع نواحي الحياة، ما جعله أمام مشوار جديد من بناء الحضارة والفكر، يتطلب منه التعامل معه، وهي سنة الحضارات ودائرة الحياة وطبيعة وفطرة بشرية. مع تقدم العمران والمدن أصبح لزاماً على الإنسان أن يتعاطى مع هذا المعطى الجديد وهو المدن والمدنية، فاستمر في إنتاج أفكار جديدة ويجتهد ويسن القوانين والدساتير التي تنظم الحياة المدنية، وحتى تستمر عجلة الحياة فعلى الإنسان أن يكون ضمن هذا التفاعل الجديد وهو الحياة المدنية وقوانينها التي تلزم الجميع بأن يكونوا ضمنها. في وقتنا الحالي يعيش الفكر العربي حالة من اللاثبات يفكر في تسارع وعولمة العالم، ويتجلى هذا بوضوح في الوضع اجتماعي متخبط بين الانفتاح والتمسك بين من يحدد أن هذا لا يناسب وهذا يناسب، فتظهر الإشكاليات بطريقة أشبه ما تكون بالرواية المتناقضة. من الذي يحدد اليوم الخطوط وهل يجب أن تكون هناك خطوط وإطار ينظم الفكر الخاص بمنطقة معينة في مكان معين في زمان معين؟ هل أصبح العالم يتجه نحو فكر أحادي أم أنه من الوجوب أن يكون للعرب فكر مستقل يتناسب مع الزمن ومع إرثهم؟ هل نحن بحاجة إلى مشروع فكري وسطي جامع، أم أن التفاوت والتباعد الفكري بين مناطق عربية معينة ومختلفة قد خلق حالة من اللاثبات أو اللاوجود لهوية واضحة؟ وهل هذا يعني بأن صراع الأصالة والحداثة قد وصل نهايته، ولا بد من رفع راية الاستسلام للفكر العالمي الجامع أم أنه ما زال هنالك الوقت الكافي لاستئناف الحضارة بفكر جديد يعبر عنها؟