الاثنين - 10 فبراير 2025
الاثنين - 10 فبراير 2025

القيادة المجتمعية وصياغة خريطة المستقبل

في قلب الأزمة العالمية وخاصة التي تعصف بالأمة العربية والإسلامية التي ابتليت بها الإنسانية في الوقت الحاضر يوجد في بعض الدول افتقار إلى القيادة الواعية في عدد من قطاعات المجتمع الإنساني. إن فقدان تلك القيادة المجتمعية يظهر بوضوح من خلال الكشف المستمر عن التصرفات غير الأخلاقية على جميع مستويات المجتمع في مختلف أنحاء العالم. فلم يبق أي مجال من مجالات السعي الإنساني، بدءاً بالعائلة وانتهاءً بأعلى درجات السلطة، لم يتأثر من ذلك. غالباً ما يصعب علينا تمييز القيادة الرشيدة لأن المجتمع يقدّم العديد من العبارات المتناقضة حول معنى القيادة. ولكي تتحقق معادلة التغيير وصياغة أفضل لمستقبل برؤى إشراقية، لا بد من تلك التغييرات الممنهجة على أرض الواقع، ينبغي أن تتم على أيدي قيادة مجتمعية على مستوى جيد من المعرفة والمهارة يمكنّهم من قيادة التحسين والتعامل مع مقاومته. على القيادة المجتمعية إذن أن يكونوا على ثقة من امتلاك المهارات والأدوات والأساليب اللازمة لوضع الرؤية وإيصالها إلى الآخرين، وضمان انخراط جميع الأفراد في مؤسستهم في تلك الرؤية وتحفيز دافعيتهم على تحقيقها. إن بقاء الوضع على ما هو عليه ليس خياراً مطروحاً لدى القادة والأفراد على حد سواء؛ حيث تؤكد جميع التطلعات الراهنة على الحرص على تحقيق الرفاهية والحياة الكريمة وتلمّس الاحتياجات. لا بد أن يحرص قادة المؤسسات على صياغة رؤية مشتركة، وتنمية الالتزام بتنفيذها وتعزيزه لدى جميع الفئات المعنية بالعملية بدءاً من داخل المؤسسات التعليمية وخارجها بصفتهم شركاء مساهمين فيها، انطلاقاً من اعتبار التعليم «قضية مجتمعية مشتركة». ويجب أن يسعوا إلى تطبيق الاستراتيجيات المناسبة لتحقيق هذه الرؤية، وترسيخ القيم والاتجاهات الجديدة والتجارب التطويرية داخل ثقافة المؤسسات. وعلى الجهود أن تشمل العمل على جانبين رئيسين في المؤسسات هما: الجانب التنظيمي والجانب الثقافي والانفعالي وذلك على النحو الآتي: 1. الجهود الرامية إلى إعادة بناء وهيكلة التنظيم المؤسسي، وتتضمن إحداث التغييرات التي تتضمن تأثيراً غير مباشر على التحسين والتطوير في العملية التعليمية. 2. الجهود الرامية إلى إعادة بناء النسق الثقافي، وتتضمن إحداث التغييرات في الأنظمة المتصلة بالنماذج، والقيم، والدوافع، والمهارات، مما يؤدي إلى تعزيز أساليب ووسائل جديدة للعمل الجماعي التعاوني ينعكس أثرها مباشرة في إحداث فرق ملموس في عمليتي التعلم والتعليم. ومن خلال صياغة خريطة مستقبل مشرقة يجب العمل على ربط التنمية العلمية والبحثية بالحضارة العربية والثقافة بالتنمية الشاملة وجعلها إشعاعاً فكرياً وجزءاً من نسيج الأمة الحضاري للمجتمع العربي؛ حيث قدم العرب للإنسانية علومهم في الفلك والطب والهندسة والرياضيات والفلسفة والفنون والميكانيكا، وهي علوم ينبغي أن نعززها لدى الأفراد ونبثها في المناهج الدراسية، ونسعى إلى الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا الحديثة من خلال تنمية التكنولوجية التقليدية وتطوير التكنولوجية المنقولة عن طريق القدرات البشرية في مجال التعليم والبحث العلمي والتطور التكنولوجي. إن القيادة المجتمعية يرتكز عملها بشكل تام على خدمة الآخرين، لذلك فإن أحد متطلباتها هو روح الخدمة، خدمة الفرد لعائلته، لجامعته ولأمته. وروح الخدمة هذه لا تنكر بأي شكل من الأشكال الدوافع والمبادرات الفردية، كما أنها لا تعيق الإبداع الفردي، بل إنها تطالب بنموذج للقيادة يعمل على إطلاق القدرات الكامنة لدى الفرد بينما يضمن خير وسعادة الجميع. هؤلاء الذين يبرزون كقادة سيدمجون على الأرجح روح الخدمة مع الاندفاع نحو التفوق. والمؤسسات التي تنشأ من قيادة محورها الخدمة سوف تعزز سعادة ورفاه الأفراد والمجتمع بأسرها بينما تضمن حقوق وحريات ومبادرات كل فرد فيها. هذه المؤسسات ستصون شرف الإنسان وبالتالي تؤدي إلى حضارة تولي اهتماماً لجمال الطبيعة ورسم خريطة المستقبل بأجمل صورة.