السبت - 15 فبراير 2025
السبت - 15 فبراير 2025

كفيف يرى كل شيء

قالوا إني كفيف.. لأني لا أرى الأرض والسماء، والليل والنَهار، والشمس والقمر، والغيوم والمطر، والنجوم والسحر، والهضاب والضباب، والجبال والبِحار، والسهولِ والأنهار. لأني لا أرى الطريق، لا القريب ولا البعيد، والورود والزهور، والطيور والعصفور، والنسور والصقور، فقلت لهم لا بأس أني لم أر شيئاً، فهذا قضاء الله، ولا اعتراض على حكمه سبحانه، لكن أقول الآن، وغداً، وكل يوم، إنني لَستُ كفيفاً. فكيف أكون كفيفاً وأنا أسمع الصوت فأعرف أسراره وما تخفيه تلك النبرة، وأميز الحب والمشاعر بالإحساس وما يكتمه ذاك القلب أو العقل. أواجه العالمين، أجابه العابثين، أُميز الأشخاص، بالأهماس والأنفاس، والأيادي والخطوات، أردُ على هذا، وأُمازح ذاك، أعيشُ حياتي، شامخاً، طامحاً، حالماً، واثقاً بنفسي، قرأتُ كتاب الله، قصدتُ القصائد، صعدتُ المنابر، حضرتُ المحافِل. درستُ، فاجتهدت، تعلمتُ، فأبدعت، سعيتُ، فتميزت، تفوقتُ، فنجحت، نجحتُ، فشكرتُ الله على ما أعطاني من نِعم. كم من ألمٍ تألمته، وكم من جرحٍ تحملته، كل هذا وأنا كفيف! فيا للعجب من هذه المجتمعات التي لا تعلم معنى أن الله على شيء قدير، فأنا أملكُ إرادة قوية وموهبة عظيمة. هل تعلمون ما الفرق بين المبصر والمبصر الآخر الذي تدعون أنه كفيف؟ المبصر هو الذي يرى بعينه كل شيء، لكن لا يرى ما بداخله من خفايا وأسرار، أما الشخص الآخر الذي يقال عنه كفيف: فهو لا يرى بعينه، وإنما يرى بقلبه، ورؤية القلب أجمل من رؤية العين، بعينك ترى ما حولك، أما بقلبك فترى العالم.