أظهرت دراسة رسمية نشرت الثلاثاء أن شخصاً من 8 في إنجلترا أصيب بفيروس كورونا المستجد في ديسمبر ما يشكل ارتفاعاً كبيراً مقارنة مع الشهر الذي سبقه (1 من 11) على خلفية انتشار نسخة جديدة متحورة من الفيروس. وأفاد مكتب الإحصاء الوطني بأن شخصاً من أصل 10 في ويلز، وشخصاً من 13 في أيرلندا الشمالية وشخصاً من 11 في اسكتلندا أصيبوا بالفيروس في الفترة نفسها. واستند المكتب إلى فحوص الأجسام المضادة التي أجريت بشكل عشوائي لدى السكان وأتاحت بالتالي أيضاً تحديد الأشخاص المصابين الذين لا تظهر عليهم عوارض المرض وليس فقط أولئك الذين تكون نتيجة فحصهم إيجابية. تشهد بريطانيا حالياً موجة ثالثة من الفيروس أكثر فتكاً. وسجلت البلاد نحو 90 ألف وفاة لأشخاص كانت فحوصهم إيجابية، في أسوأ حصيلة في أوروبا. في مواجهة الانتشار السريع للفيروس الذي نسب إلى نسخة جديدة تعتبر شديدة العدوى ظهرت في بريطانيا، قررت مختلف المناطق فيها إعادة الإغلاق مجدداً وإقفال المدارس مع مواعيد مختلفة، حيث إن كلاً منها يقرر استراتيجية الأزمة الخاصة به. في اسكتلندا ورغم أن القيود السارية «بدأت تعطي أثراً» في مجال خفض عدد الإصابات، فإن الإغلاق الذي كان من المقرر أن يستمر حتى نهاية يناير سيبقى ساريا حتى «منتصف فبراير على أقرب تقدير» كما أعلنت رئيسة الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستورجن. وقالت «أي تساهل في الإغلاق فيما لا يزال عدد الإصابات عالياً جداً، وحتى وإن كان يتراجع، يمكن أن يؤدي سريعاً إلى وضع معاكس». في إنجلترا، الأكثر اكتظاظاً بالسكان مع 56 مليون نسمة، فإن القيود يفترض أن تبقى سارية حتى 31 مارس لكن من المرتقب إعادة النظر فيها بمنتصف فبراير. في إنجلترا وويلز، كان إجمالي معدل الوفيات في الأسبوع الأول من يناير أعلى بنسبة 45,8% من المعدل المسجل في السنوات الخمس الماضية بحسب مكتب الإحصاء الوطني الذي حذر في الوقت نفسه من أن البيانات قد تكون غير دقيقة بسبب التأخر في تسجيل الوفيات خلال فترة عطلة الميلاد. وشهدت لندن التي تضررت بشكل خاص بسبب الموجة الأخيرة، ارتفاعاً بنسبة 85% للوفيات مقارنة مع المعدل المسجل في الفترة نفسها في السنوات الخمس الماضية. وأعلن وزير الصحة مات هانكوك الذي أصيب بالفيروس العام الماضي، على تويتر الثلاثاء أنه سيمضي فترة حجر صحي حتى الأحد بعد احتمال مخالطته شخصاً مصاباً.

دراسات دولية عديدة ترصد التداعيات النفسية بعد الإصابة بكورونا
كلما طالت الأزمة في سياق جائحة كوفيد-19 الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد، زاد التركيز على تداعياتها النفسية. إذ يمكن للعزل الاجتماعي، والمستقبل غير الآمن، والمشاغل الاقتصادية بالإضافة إلى الخوف على صحة الفرد وصحة عائلته وأصدقائه، التأثير على الصحة النفسية للناس في جميع أنحاء العالم. ولا تزال التداعيات النفسية طويلة الأمد غير معروفة بعد، لكن ظهرت الآن أولى الدراسات التي تشير إلى ازدياد مخاطر الاكتئاب وأمراض الخوف واضطرابات التوتر والسلوك الإدماني، في ظل هذه الجائحة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه ليست التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية فقط هي ما يمكن أن يتركها كوفيد-19 على الصحة النفسية، ففي أعقاب العدوى، يمكن للفيروس أن يهاجم الدماغ وأن يتسبب في هذه المنطقة في حدوث أعراض عصبية ونفسية، وتوضح دراسة بريطانية منشورة في مجلة «ذا لانسيت» أن من هذه الأعراض الخوف والحالات المزاجية الاكتئابية والنسيان والارتباك بالإضافة إلى الأرق. كما رصدت الدراسة بعض حالات للذهان والهذيان وحالات قريبة من العته واضطرابات أخرى.
تداعيات نفسية

يذكر أن عدد الدراسات عن التداعيات النفسية لكوفيد-19 آخذ في الزيادة على نحو سريع. وخلال افتتاح فعاليات «أسبوع الصحة النفسية» قال اندرياس ماير-ليندنبرج، مدير المعهد المركزي للصحة النفسية في مانهايم: «في الوقت الراهن هناك أكثر من 1000 منشور عن هذا الموضوع»، وأضاف أنه حالياً يجري العمل بديناميكية شديدة للغاية وفي كثير من الأحوال باستخدام نتائج أولية وبدون تقييم علمي.
وتتضمن هذه المنشورات المسبقة ذات النتائج الأولية، عملا نُشِرَ حديثاً لجامعة أوكسفورد والذي أظهر أن عدداً كبيراً من مرضى كوفيد-19 الذين خرجوا من المستشفيات استمرت لديهم أعراض مثل حالات الخوف والاكتئاب لمدة تراوح بين شهرين إلى 3 شهور بعد إصابتهم بالفيروس.
وقال ماير- ليندنبرج إن الدراسة رصدت ارتفاع مخاطر حدوث تداعيات نفسية ولا سيما بالنسبة للمرضى الذين كانوا موجودين في مستشفيات، وكتب ماير-ليندنبرج، الذي يشغل أيضاً عضوية مجلس إدارة الجمعية الألمانية للطب النفسي والعلاج النفسي والطب النفسي الجسدي وطب الجهاز العصبي: «عندما يصابون، يمرون بموقف يُحْتَمَل أن يكون خطيراً على حياتهم، ويدخلون في قسم الرعاية المركزة، ويخضعون للاستكشافات المجهرية، ويوضعون على أجهزة التنفس، وكل هذا له تأثيرات على الحالة النفسية». وتابع أن العديد من الدراسات الصينية أظهرت أن كل المرضى من هذه النوعية، ظهرت عليهم فعلياً أعراض الاضطراب العصبي. كما أظهرت العديد من الدراسات أيضاً أن الصحة النفسية لغير المصابين يمكن أن تعاني أيضاً بسبب تداعيات المخاوف المرتبطة بالجائحة وقيود المخالطات.
وأظهرت دراسة لكلية الصحة العامة في جامعة بوسطن أن 27.8% من الأمريكيين البالغين ظهرت عليهم أعراض اكتئاب في منتصف أبريل الماضي، وكانت هذه النسبة قد وصلت إلى 8.5% فقط قبل الجائحة. وقد حدثت ارتفاعات في هذه النسب على هذا النحو بعد هجمات 11 سبتمبر.
ارتفاع نسبة الكآبة

وأظهرت نتائج استطلاع أُجْرِيَ في يونيو الماضي أن أكثر من 40% من نحو 5500 أمريكي بالغ يعانون من عرض واحد على الأقل من أعراض الاضطراب النفسي، ومنها الاكتئاب وحالات الخوف واضطراب ما بعد الصدمة وتعاطي المخدرات، وأوضحت النتائج أن هذه المعدلات تعادل 3 إلى 4 أضعاف ما كانت عليه في نفس الفترة من العام الماضي.
وأظهرت دراسة فنلندية أن 25% من 4000 شخص تحدثوا عن زيادة عدد الكوابيس التي صاروا يرونها منذ بدء الأزمة، فيما أظهرت نتائج دراسة أخرى أن 15% من الأمريكيين قالوا إن الأحلام التي يرونها تزداد سوءاً.
من جانبه، سلط ديتريش مونتس، رئيس الغرفة الاتحادية للأطباء النفسيين في ألمانيا، الضوء على دراسة للمعهد المركزي للصحة النفسية في مدينة مانهايم أظهرت أن الإغلاق بسبب كورونا كان مزعجاً للغاية بالنسبة للمراهقين والشباب «وهذا أمر معقول لأن الفئة الأصغر سناً تحتاج إلى المزيد من التواصل الاجتماعي مع مجموعات من أقرانها».

وفي سياق متصل، يشير اندرياس هاينز، مدير عيادة الطب النفسي والعلاج النفسي في مستشفى شاريتيه في برلين إلى مزيد من المجموعات ذات القابلية للإصابة بهذه الأعراض، وقال إن من بين هذه المجموعات الأشخاص الذين يعانون بالفعل من مرض نفسي، ومنهم أيضاً كبار السن والأشخاص الذين يعيشون بمفردهم والأشخاص الذين ينعمون بالكاد بعلاقات اجتماعية. وأشار إلى تأثر المشردين على نحو خاص في هذا السياق، وأوضح أن هذه الأعراض النفسية تؤثر بشكل خاص على المشردين الذين تزداد لديهم مخاطر الشعور بالوحدة على أية حال، بالإضافة إلى الأشخاص أصحاب الوضع الاقتصادي الهش.
وانتهت نتائج دراسة كلية الصحة العامة بجامعة بوسطن إلى أن الناس أصحاب الموارد المالية الضئيلة في الولايات المتحدة ظهرت لديهم مخاطر أكبر للإصابة بالاكتئاب أثناء الجائحة، وأكد هاينز، مدير عيادة الطب النفسي والعلاج النفسي في مستشفى شاريتيه في برلين أن «الموقف الاقتصادي للعديد من الناس في ألمانيا مختلف»، مشيراً إلى موجة التضامن التي ظهرت في ألمانيا بالتحديد مع بداية الجائحة «وقد أسهم هذا في أن نمر عبر هذه الفترة بشكل جيد نسبياً حتى الآن».
طلب المساعدة

وفيما يتعلق بالوقت الذي يتعين فيه على الشخص أن يبحث عن مساعدة مهنية في حال تعرضه لمثل هذه الظواهر، يقول الطبيب هاينز إن الشعور بالحزن أو الاكتئاب نظراً للجائحة وما يرتبط بها من قيود على المخالطات، يُعَدُّ بدايةً ردَ فعل اعتيادياً تماماً، لكنه رأى أنه يجب طلب المشورة الطبية إذا لاحظ المرء قلة إمكانية أو انعدام إمكانية الشعور بالسعادة أو كان هناك إفراط في انعدام الدافع وإفراط في الشعور بالإعياء.
وقال مونتس: «إذا لم يعد بإمكان المرء الخروج من دوائر التفكير، على سبيل المثال باقتصار التفكير فقط على احتمال الإصابة بالعدوى بالفيروس، وازداد الشعور بالتقيد من خلال ذلك، فعندئذ ينبغي على المرء أن يطلب المساعدة»، ورأى مونتس أنه لا يمكن الفصل بشكل واضح بين القلق العام والمرض الفعلي.