الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

«حي الفهيدي» تراث يعكس الحياة التقليدية السائدة في دبي

يمثل حي الفهيدي نمطاً للحياة التقليدية، الذي كان سائداً في منتصف القرن الـ19 بدبي، حيث المباني ذات البراجيل الشامخة، والمشيّدة بمواد البناء التقليدية من الحجر المرجاني، وسعف، وجذوع النخل.

ويستوقف الزائر مشاهد تاريخ إنشاء الحي الواقع شرق المدينة القديمة في بر دبي، ويمتد بمحاذاة الخور لمسافة تصل لنحو 300 متر، وعمق باتجاه الجنوب لنحو 200 متر.

وتقدم انسيابية الحركة بين المباني القديمة، مشاهد نوعية لأهم المراكز والأنشطة والمشاريع الثقافية التي يحتضنها الحيّ، باعتباره تراثاً يعكس الحياة التقليدية السائدة في مدينة دبي، مقدماً محاكاة عميقة للتراث الإنساني.

تصاميم تاريخية للمنطقة

يقع حي الفهيدي في بر دبي، وهو لا يزال يحمل التصميم التاريخي للمنطقة، حيث المباني التقليدية القديمة التي تفصل بينها ممرات ضيقة. ولعب الحي دوراً مهماً في التجارة قديماً نظراً لموقعه الاستراتيجي القريب من خور دبي، فهو يُمثل أحد أهم الأماكن السياحية في بر دبي والإمارة بشكلٍ عام.

وعلى الرغم من صغر مساحته، فإنه يستحق الزيارة لتتعرف على أبرز ما يشتهر به من أبراج الرياح التقليدية المرتفعة «البراجيل»، والتي أُنشئت للمساعدة في تهوية المنازل في ظل ارتفاع درجات الحرارة.

أسواق شعبية

تُعد زيارة حي الفهيدي التاريخي فرصةً ثمينة للتعرف على نمط الحياة الاجتماعية التراثية، بما تحمله من مخزون قيمي ثري، يستشف من تصميم مباني الحي وتوزيعها فيه، حيث لا تخطئ العين اهتمام المجتمع بالخصوصية المتمثلة في قلة فتحات المباني الخارجية وضيقها وارتفاعها، وتعرجات والتواءات الأزقة، وكذلك الإجماع على توجيه جميع مباني الحي جهة الجنوب الغربي لتكون متجهة نحو قبلة الصلاة، إضافة إلى الكثير من القيم والمضامين التي ستكون على موعد لاكتشافها بنفسك عند زيارتك للحي.

ويتميز حي الفهيدي بالعديد من الأسواق الشعبية التي لا تزال تحافظ على طرازها القديم، هذا ولم يقتصر الأمر على الأسواق القديمة فقط، بل متحف دبي أيضاً الذي يعتبر أقدم مبنى في الإمارة.

ويعود تاريخ متحف دبي «حصن الفهيدي» إلى عام 1787، إذ كان مقراً لحاكم الإمارة ومركزاً للدفاع عنها، أما بعد ذلك فقد تحول إلى مركز للذخائر والأسلحة وسجن للخارجين عن القانون، ورمم الحصن عام 1971؛ ليكون متحفاً يسرد تاريخ دبي وتراثها الأصيل، فهو يعتبر مصدراً غنياً بالمعلومات التاريخية والقديمة للمنطقة، إذ يطّلع الزوار على الحياة اليومية لسكان المنطقة قديماً. كما يضم المتحف العديد من القطع الأثرية والأسلحة القديمة، ويلقي الضوء على فترة تجارة اللؤلؤ في دبي.

سوق الغزل والنسيج

يعتبر سوق الغزل والنسيج واحداً من أقدم أسواق المنطقة، والتي تتخصّص في بيع الأقمشة والنسيج والملابس الملونة وجميع مستلزمات الملابس العربية، إذ اشتهر السوق بالأقمشة المميزة وبأسعاره المنافسة.

ويعرض متحف القهوة الواقع في حي الفهيدي التاريخي دبي، تاريخ القهوة والطرق المختلفة في صنعها، حيث يعرض الأدوات التي استخدمت في صنع القهوة، وبعض الوثائق التاريخية حولها، كما يمنحك الفرصة لتجربة بعض عينات القهوة في قسم التحميص بالمتحف.

متحف المسكوكات

يوجد المتحف في أحد مساكن حي الفهيدي التاريخي، وتحول لمتحف للمسكوكات في عام 2004، ويعرض تاريخ النقود النادرة في الإمارات العربية المتحدة التي تعود لعصور مختلفة، ويتكون المتحف من عدة غرف عرضٍ أساسية تختلف بعرض المحتوى والمضمون الأساسي (النقود).

ويضم المتحف 8 غرف رئيسية، الغرفة الأولى تعطي معلوماتٍ عن تاريخ النقود، والثانية تعرض القطع النقدية من الفترة الساسانية المتداولة في عصر الخلفاء الراشدين وعصر الأمويين، والثالثة تحوى الدنانير والدراهم المتداولة في العصر الأموي، والرابعة تضم عدداً كبيراً من القطع من العصر العباسي كالدنانير والدراهم، والخامسة تجمع نقوداً من بلاد الشام وتركيا ومصر، والسادسة تعرض مسكوكات نقدية من العراق والمشرق الإسلامي، والسابعة تعرض قطعاً نقديةً صنعت في شمال أفريقيا والأندلس، والثامنة تعرض نقوداً من الجزيرة العربية والإمارات العربية المتحدة.

مشهدية ساحرة

وعند زيارة مركز الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للتواصل الحضاري، الذي افتُتح عام 1998، وهو يعد واحداً من المراكز الثقافية المهمة في حي الفهيدي التاريخي، يمكن ملاحظة «البرجيل»، وهو مسرب الريح أو ملقط الهواء، ويكون عبارة عن برجٍ طويل مستطيل، له فتحات جانبية ويتصل بغرفة رئيسة في البيوت القديمة، مهمته التقاط الهواء، وتوفير حركة للريح وتلطيف الجو.

ويبقى الخور الممتد على طول 14 كيلومتراً النبض الحيّ للفضاء الاستثنائي في حي الفهيدي التاريخي، الإطلالة الزرقاء على البيوت القديمة، فيها «العبّارات»، مستمرة في نقل الركاب والسياح والتجار من ديرة إلى بر دبي، مقدمةً مشهدية ساحرة من المباني اللانهائية بتشكلاتها القديمة، توازيها الأبنية الحديثة في تداخل خاطف لذاكرة المكان وحاضره المتنامي.

أنشطة ثقافية ومعارض فنية

احتضان الحي للعديد من الأنشطة الثقافية والفنية المتنوعة، جعل منه وجهة للفنانين ورواد مدارس التشكيل، وأولئك الباحثين عن أشكال الجمال المختلفة، حيث تتركز بين طرقات الحي الضيقة، المعارض الفنية والمتاحف المتخصصة، والجمعيات الثقافية والفنية، ومراسم للفنانين.

وتفيض «سكيك» الحي بكل أشكال الجمال وفن العالم المعاصر، الذي يمكن بسهولة اكتشاف آثاره بين حجارة الأزقة، لا سيما أن الحي أصبح حاضناً لمعظم الفعاليات الثقافية والفنية التي تشهدها دبي سنوياً، وعلى رأسها «معرض سكة الفني»، و«برنامج الفنان المقيم»، و«أسبوع التراث»، وفعاليات اليوم الوطني والمناسبات الأخرى، وتتوزع في الحي المقاهي والمطاعم والنُزُل ذات الأجواء التراثية الخلابة والمريحة.