نظم مكتب شؤون المجالس بديوان ولي عهد أبوظبي، محاضرة في مجلس محمد خلف بمنطقة الكرامة، تحت عنوان «الإعلام الرقمي وتحديات المستقبل»، ألقاها رئيس جمعية الصحفيين الإماراتية ورئيس تحرير صحيفة الرؤية محمد الحمادي بحضور قائد عام شرطة أبوظبي رئيس لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية بأبوظبي، اللواء الركن طيار فارس المزروعي، إلى جانب نخبة من المثقفين والكتاب والشعراء والفنانين والإعلاميين وعدد المواطنين والمقيمين.
واستعرض الحمادي توصيفاً واقعياً للوضع الراهن للمؤسسات الإعلامية سواء التقليدي منها أو الإعلام الحديث والتحديات التي تواجه تلك المؤسسات المتمثلة في تراجع مصادر الدخل والتمويل وآليات مواجهة التطور التقني المستمر والمحافظة على المتابعين والمشتركين في وسائل الإعلام في مقابل تجويد المحتوى وصدقيته.
وأوضح الحمادي أن المؤسسات الإعلامية فقدت جزءاً مهماً من مصدري الدخل الأساسيين التقليديين وهما الإعلانات والمشتركين في مقابل الإعلام الرقمي، حيث باتت شبكات التواصل الاجتماعي ومحرك البحث غوغل رغم أنها لا تصنع أي محتوى تأكل جزءاً كبيراً من الدخل الذي كان في الماضي يذهب لوسائل الإعلام، إضافة إلى دخول ما يعرف بالمؤثرين على الخط أيضاً، لتنكمش حصة الناشرين ووسائل الإعلام من الإعلانات مقابل 10 سنوات مضت.
وأضاف الحمادي إن توافر المحتوى المجاني، والقائم على مبادرات فردية، وكثرة المشاريع الصغيرة في وسائل الإعلام، جعلت من فكرة وجود مشتركين في وسائل الإعلام التقليدية صعبة للغاية، ضارباً المثل ببعض الصحف في ألمانيا وفرنسا وأمريكا التي حاولت بيع الاشتراكات الإلكترونية إلا أن مبيعاتها تعتبر أقل بكثير مما كانت تحققه من خلال الاشتراكات التقليدية.
ودحض الحمادي الاعتقاد بأن الإعلام الرقمي الحديث هو أقل كلفة من وسائل الإعلام التقليدية الورقية، موضحاً أنه رغم الاعتقاد السائد بأن العصر الرقمي سيكون أقل تكلفة، لكن العاملين في المجال يعلمون جيداً بأن توفير أفضل منتج ممكن يتطلب توظيف العديد من القدرات البشرية والإلكترونية عالية التكلفة.
ولفت رئيس جمعية الصحفيين الإماراتية إلى أنه قبل أقل من 10 سنوات كان تحدي وسائل الإعلام يكمن فقط فيمن يوصل المعلومة بأسرع وأفضل شكل للمتلقي، لكن صعود نجم منافسين غير إعلاميين مثل نتفليكس وتيك توك ويوتيوب وتطبيقات وسائل التواصل والألعاب السريعة على الموبايل، جعل التحدي الجديد يتعلق بالوقت وليس فقط بالمعلومة، مشيراً إلى أن المستخدم لم يعد يصبر أكثر من ثانيتين إلى 3 ثوانٍ فقط كي يطلع على المعلومة، فإن لم تخطف انتباهه، عاد لما يتسلى به من الخيارات الكثيرة، كما أن الوقت الذي بقي للمستخدمين من أجل البحث عن خبر أو معلومة أقل بكثير من السابق، ما يجعل المعركة محتدمة على دقائق قليلة.
وأشار الحمادي إلى أن التغير المستمر هو أصعب ما يواجه الإعلام الرقمي، وهو تغيير يشمل التكنولوجيا وأماكن تواجد المستخدمين، ففي عصر الإعلام الرقمي كان المتلقي يكتشف مصادره الإعلامية عبر محركات البحث أو عبر وسائل الإعلام التقليدي مثل التلفاز والصحيفة، ثم باتت شبكات التواصل الاجتماعي جزءاً مهماً من طرق اكتشافه، ولكن هذه الوسائل متغيرة، فبعد اعتقادنا بأن فيسبوك وتويتر يسيطران على العالم، ظهر إنستغرام وسناب شات بقوة، وبعد الاعتقاد بسيطرتهما، فاجأ الصينيون العالم بتيك توك.
وأضاف الحمادي «لا يمكن إغفال خطورة الذكاء الاصطناعي على تغيير شكل الإعلام الرقمي تماماً، إذ من المتوقع أن يدخل مستثمرون المجال لا يأبهون بالحقيقة ولا بأخلاقيات المهنة، بقدر ما يبحثون عن الإبهار لجمع أكبر عدد من المستخدمين ثم الربح».
وبيّن الحمادي أنه في زمن الإعلام الرقمي أصبحت تغلب الأرقام الجودة، حيث إن الناس يتحدثون عن قصص نجاح من بوابة الأرقام كعدد المستخدمين أو وقت استعمالهم، ولم يعد هناك ذكر حقيقي لقيمة ما يتم تقديمه، ضارباً المثل بمواد إعلامية رصينة في محتواها قد لا تحقق مشاهدات بقدر خبر سريع عن أحد المشاهير لا تستغرق كتابته 3 دقائق.
ولفت إلى أن المشاهدات والزيارات تعني دخلاً مالياً، وكلما قلت قل هذا الدخل، وبالتالي يقل الاستثمار في المحتوى، مضيفاً إن المشكلة أن المواضيع الأهم تبدو أقل جذباً من مواضيع كوميدية أو ساخرة أو غير مفيدة، وبالتالي يكسب الأقل احتراماً لتقديم المعلومة المهمة.
أما بخصوص صناعة العلامة الإعلامية، فأوضح الحمادي أنه أضحى من الصعب جداً حفر اسم علامة إعلامية في ذاكرة المشاهدين من خلال الأخبار الحصرية أو المقابلات المميزة فقط، فحسب عدة إحصائيات ينسى ما يقارب 75% من المستخدمين أين قرؤوا أهم الأخبار خلال السنة، وباتت صناعة علامة إعلامية رقمية قوية تتطلب استمراراً وثباتاً مكلفاً للجهد والمال، ومتطلباً بالتغيير المستمر والتنويع للفت انتباه الزائر، على أمل أن يصبح الاسم في ذاكرة المستخدم.
وتطرق إلى تحدي الأخبار الكاذبة وقوتها، حيث إن هذا التحدي لا يتمثل في نشر الأخبار الكاذبة، بل تعداه إلى أن الأخبار الكاذبة تشكل وجهة نظر لدى المستخدمين، وعند نشر ما يعترض مع وجهة النظر هذه تجد وسيلة الإعلام هجوماً مضاداً، فقوة الأخبار الكاذبة والحرب عليها لا يتمثل فقط بكشفها، بل بالصمود أمام بقايا الرأي العام الذي تخلقه.
واختتم الحمادي بأن معايير النجاح الإعلامي أيضاً اختلفت عن ذي قبل، حيث إنه في زمن الإعلام الرقمي يزداد يوماً وراء يوم عدم اعتماد النجاح على المحتوى ذاته، فمهما كان المحتوى مميزاً سيحتاج إلى فريق تقني قوي، وخبراء في محركات البحث والتسويق الرقمي، ومميزين في إنتاج الفيديو واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، حيث لم يعد الموضوع يتعلق بالتفوق الإعلامي، بل أيضاً بمجموعة المهارات التي توفرها المؤسسة، وهو ما قد يجعل إدارة التحرير بشكلها القديم في مواجهة التغيير المطلوب، لمنح الأعضاء المؤثرين في النجاح وزناً أكبر وإن لم يؤثروا بصناعة المحتوى.