تقف الإمارات في مقدمة الدول الداعمة لنشر التعليم والمعرفة على الصعيد الدولي من خلال العديد من المبادرات والبرامج التي تستهدف تحسين العملية التعليمية في الدول الشقيقة والصديقة، وذلك انطلاقاً من رسالتها الحضارية والإنسانية التي تؤمن بأن التعليم أساس نهضة الشعوب وتطورها. وتحرص الإمارات في مساعداتها الخارجية على إعطاء الأولوية لحماية التعليم، حيث أكدت خلال المناقشة المفتوحة لمجلس الأمن حول «الأطفال والنزاع المسلح» التي عُقدت في سبتمبر الماضي، أن إجمالي تبرعاتها لدعم مشاريع التعليم حول العالم، بلغ 1.55 مليار دولار، بما في ذلك التبرع بمبلغ 284.4 مليون دولار للمناطق المتأثرة بالأزمات، حيث تتعاون دولة الإمارات مع منظمة «اليونيسف» والشركاء الآخرين منذ عام 2017 من أجل دعم تعليم 20 مليون طفل في 59 دولة. ويشكل «اليوم الدولي للتعليم» الذي يحتفل به العالم غداً تحت شعار «استعادة العملية التعليمية وتنشيطها للجيل الذي عايش جائحة كوفيد-19» مناسبة لتسليط الضوء على الجهود التي تبذلها الإمارات من أجل نشر التعليم والمعرفة على المستوى العربي والدولي مستهدفة بالدرجة الأولى الفئات التي حالت ظروفها المعيشية دون حصولها على القدر الكافي من التعليم. وتعتبر الإمارات من أولى الدول التي سعت لتسخير تكنولوجيا وسائل الاتصال الحديثة من أجل التغلب على جميع الظروف الطارئة التي تعيق عملية نشر التعليم والمعرفة على المستوى العربي والدولي، وفي هذا الإطار أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، في نوفمبر الماضي «المدرسة الرقمية»، أحد مشاريع مؤسسة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، وأول مدرسة رقمية عربية متكاملة ومعتمدة، توفر التعليم عن بعد بطريقة ذكية ومرنة للطلاب من أي بلد في العالم. وستقدم المدرسة الرقمية، التي تستهدف أكثر من مليون طالب في السنوات الخمس الأولى، منهاجاً تعليمياً عصرياً، يستند إلى أحدث تقنيات الابتكار والذكاء الاصطناعي، بما يعزز من قدرات الطلاب على التعلم الذاتي واكتساب المعارف والمهارات في مختلف المجالات. كما دشن سموّه «تحالف مستقبل التعلم الرقمي» من أجل حشد كافة الخبرات التخصصية، في قطاع التعليم والتكنولوجيا، لدعم وتطوير التعلم الرقمي والإشراف على تأسيس وتطوير المدرسة الرقمية. وتسهم الإمارات في نشر التعليم على المستوى الدولي من خلال إنشاء المدارس والجامعات، أو من خلال تقديم المنح والتمويلات التي تساعد على توفير التعليم لجميع لمختلف الفئات، ولعل من أبرز الشواهد على ذلك مساهمة مبادرات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في بناء أكثر من 2126 مدرسة حول العالم حتى عام 2019، وتدريب 400 ألف معلم ومعلمة. وفي السياق ذاته كشفت الإحصاءات والبيانات التي تضمنها التقرير الصادر عن صندوق أبوظبي للتنمية مطلع عام 2019، عن تمويل الصندوق لـ129 مشروعاً تنموياً في القطاع التعليمي، وبقيمة إجمالية بلغت 2.5 مليار درهم، استفادت منها 14 دولة نامية. وكانت الإمارات قد أعلنت في فبراير 2018، عن التزامها تقديم مساهمة مالية بقيمة 367 مليون درهم «100 مليون دولار أمريكي»، لبرنامج «الشراكة العالمية من أجل التعليم» بهدف تحسين نتائج التعلُّم لنحو 870 مليون طفل وشاب في 89 بلداً نامياً، لتكون بذلك أول دولة على المستويين العربي والإقليمي، تقدم الدعم للشراكة العالمية من أجل التعليم. ويعتبر اللاجئون في العالم الفئة الأكثر معاناة على صعيد الحرمان من فرص التعليم، حيث يوجد أكثر من 7.1 مليون طفل لاجئ في العالم ممن هم في سن الدراسة، منهم نحو 3.7 مليون طفل «أي أكثر من النصف» لا يرتادون المدرسة، وذلك وفقاً لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2020. وتبذل الإمارات أمام هذا الواقع المرير جهوداً حثيثة بالتعاون مع شركائها الإقليميين والدوليين من أجل توفير التعليم المناسب للاجئين حول العالم والمساهمة في تنمية المهارات التي يحتاجون إليها لضمان مستقبلهم على المدى الطويل. وتسهم المبادرات والمساعدات المادية والعينية التي تقدمها دولة الإمارات للمنظمات الدولية المعنية ولحكومات الدول المستقبلة للاجئين في التخفيف من حدة أزمة حرمان اللاجئين من فرص التعليم، وعلى سبيل المثال بلغت قيمة المساعدات التي قدمتها في قطاع التعليم، استجابة للأزمة السورية والمتضررين منها خلال الفترة من 2012 إلى يناير 2019، نحو 190.1 مليون درهم «51.8 مليون دولار». وتشكل استجابة الإمارات لضمان حصول اللاجئين السوريين في كل من المملكة الأردنية الهاشمية ولبنان، وغيرها من الدول، على فرص التعليم المناسبة، تجربة فريدة تستحق التوقف عندها مطولاً لاستخلاص الدروس والعبر في كيفية إدارة الأزمات الإنسانية، والتخفيف من حدة آثارها السلبية. وتعد الإمارات من أهم الدول المساندة للجهود التي تقوم بها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى «الأونروا» لإعانتها على تنفيذ برامجها التعليمية للطلاب والطالبات وضمان حصولهم على حقوقهم من التعليم.. ووفقاً «للأونروا» استحوذ التعليم على أكثر من 80% من قيمة الدعم الإماراتي للوكالة خلال الفترة من 2014 إلى 2019 والتي بلغت ما يزيد على 164 مليون دولار. وتنفيذاً للتعهد الذي أعلنت عنه دولة الإمارات خلال «مؤتمر التضامن مع أوغندا بشأن اللاجئين» الذي عُقد عام 2017، قدمت الإمارات تمويلاً بقيمة نحو 5 ملايين دولار لتنفيذ مشاريع تنموية في أوغندا تشتمل على إنشاء المدارس وبناء قدرات المعلمين، وغيرها من المهارات المهنية، ما يعود بالنفع على نحو 600 ألف شخص من اللاجئين من جنوب السودان، بالإضافة إلى المجتمع المضيف في شمال البلاد.

لجان شبابية وحاضنات ابتكار جامعية تدعم وثيقة الـ50
وأكد مسؤولو الجامعات ضرورة إشراك الطلبة في عملية صنع القرار وابتكار المبادرات التي تساهم في إثراء العملية التعليمية وتساند الطالب في مرحلة ما بعد الدراسة بتهيئة الفرص ليكون قادراً على تأسيس أعمال ناجحة إلى جانب صقل الخبرات في مجال التحول التام إلى جعل الجامعات مناطق اقتصادية وإبداعية حرة ومتكاملة.
استراتيجية أكاديمية
وأوضح لـ«الرؤية» مدير جامعة أبوظبي البرفيسور وقار أحمد أن الجامعة وضعت استراتيجية أكاديمية تتضمن رؤية مستقبلية للتخصصات العلمية التي تطرحها الجامعة خلال الـ50 عاماً القادمة، وفي مقدمتها التخصصات المرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة والبرامج الأكاديمية في الذكاء الاصطناعي والروبوت وهندسة البرمجيات والأمن السيبراني والبرامج الهندسية الحديثة المواكبة للتطور العلمي والتقني والصناعي وكذلك العلوم الطبية والصحيّة، التي تمثل ركيزة أساسية لمنظومة التعليم ومسيرة التنمية المستدامة خلال الـ50 عاماً المقبلة.

وأضاف أن لجان الجامعة تعمل على وضع الخطط واستحداث المبادرات، لافتاً إلى الحرص على إشراك الطلبة في عملية التطوير وخلق البرامج من خلال التنسيق مع مجالس الطلبة وإشراك الطلبة في العديد من اللجان.
وقال: «نؤمن بأن الطالب هو محور العملية التعليمية وتمثل مشاركته في صياغتها مكوناً أساسياً يسهم في التطوير المستمر ويثري العملية التعليمية بأفكار مبتكرة تساهم في عملية تصميم السنوات الـ50 القادمة».
دعم وورش عمل
وأشار البرفيسور وقار أحمد إلى أن أهم المبادرات التي أطلقتها الجامعة أخيراً استعداداً للـ50 عاماً القادمة للدولة، هي تقديم الدعم المالي والتدريب للشركات الناشئة التي يطلقها طلبتها والتي يجري حالياً تقييم طلباتها بناءً على مدى الابتكار وأهمية الفكرة في السوق وذلك من قبل لجنة متخصصة من أعضاء الهيئة التدريسية بالجامعة.
كما تحفز الجامعة الطلبة خلال مراحل الدراسة الجامعية على ريادة الأعمال من خلال العديد من ورش العمل والمسابقات التي تعزز جاهزيتهم لتطبيق أفكارهم وتخلق جيلاً يملك آليات وأدوات استكمال مسيرة التنمية المستدامة بالدولة.
لجان القيادات الطلابية
وذكرت مديرة مركز الإرشاد الطلابي في عمادة شؤون الطلبة بجامعة زايد الدكتورة هند الرستماني أنه جرى تشكيل لجان من القيادات الطلابية لبحث وصياغة المبادرات وإطلاق المسابقات التي من شأنها تحفيز الطلبة على الإبداع والابتكار واحتضان الأعمال كما التخطيط المستقبلي لما بعد الابتكار.

وأضافت أن الجهود تنصب على تأهيل الطلبة ودفعهم نحو تأسيس شركات ناشئة إلى جانب تبني الأفكار المبتكرة القابلة للتطبيق داخل الجامعة نفسها، بحيث تكون حاضنة للإبداع ومصدرة له.
برامج مطوّرة
وبينت الرستماني أن الجامعة تواصل طرح تخصصات جديدة باستمرار بحيث تواكب التطلعات المستقبلية كما الواقع المعاش، إذ أطلقت برنامجين للتخصصات المتعلقة بالعلوم الصحية لمواجهة الأوبئة في المستقبل لتواكب بهما ما يواجهه العالم من تحديات صحية مع تفشي جائحة كوفيد-19.
وتعتزم الجامعة إطلاق مجموعة من برامج الماجستير عام 2021، منها ما يختص بالتحول الرقمي ونظم المعلومات، كما تقوم الجامعة بإعداد برنامج جديد في الذكاء الاصطناعي للأتمتة في العصر الرقمي الجديد، إلى جانب تطوير أو إعادة تصميم عدة برامج بحيث تتناسب مع تطلعات الطلبة لضمان انخراطهم بسوق العمل، الأمر الذي يصب في مسيرة تحول الجامعة لمنطقة إبداعية واقتصادية حرة.
مشورة مهنية مبكرة
وأكد الأستاذ في قسم الهندسة الكيميائية الدكتور إيناس الناشف أن وثيقة الـ50 التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، تعتبر دستوراً يتطرق في كل بنوده إلى تحسين كافة مناحي الحياة واستشراف المستقبل، ومنها ما يتعلق بالبند السادس المتعلق بالجامعات.

وأشار إلى أن مفهوم الجامعة لم يعد يقتصر على تقديم العلوم للطلبة، بل بات منصة انطلاق للمواهب والقدرات والكفاءات التي ستبني المستقبل، مبيناً أن إحاطة الجامعات بمناطق اقتصادية وإبداعية حرة خطوة سباقة تمكن الجامعيين من تحقيق أحلامهم وتحفيز إبداعهم.
ولفت إلى أن تقديم المشورة المهنية المبكرة للطلبة الجدد بهدف توجيههم ومساعدتهم على اختيار التخصصات المناسبة لحياتهم ومستقبلهم المهني هو من أهم المراحل التي يجب التركيز عليها لخلق جيل مبتكر قادر على فهم قدراته وتطويعها والإبداع من خلالها خاصة في التخصصات الجديدة والتي تتطلب مهارات علمية وإبداعية.