الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

مجلس محمد بن زايد يناقش «الأخوة الإنسانية والتسامح» بأولى محاضراته الرمضانية

مجلس محمد بن زايد يناقش «الأخوة الإنسانية والتسامح» بأولى محاضراته الرمضانية
شهد سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، أولى المحاضرات الرمضانية التي استضافها مجلس محمد بن زايد «عن بعد»، تحت عنوان «الأخوة الإنسانية والتسامح: رسالة الأديان»، والتي تناولت القيم الإنسانية المشتركة التي حثت عليها جميع الديانات والرسالات السماوية، وأولها التسامح والتعايش والتراحم والأخوة الإنسانية بين البشر.

وأكد المحاضرون أن التسامح والتعايش والتراحم بين البشر قيم إنسانية عظيمة مشتركة، حثت على إعلائها وتعزيزها جميع الديانات والرسالات السماوية، مشددين على أنها تنهل من منبع واحد ومصدرها إله واحد.

وتضمنت المحاضرة عرض مقطع فيديو سلط الضوء على دور دولة الإمارات ومبادراتها الخيرة في تعزيز «الأخوة الإنسانية»، وقيم التسامح والتعايش بين المجتمعات والثقافات المختلفة، وأظهر جوانب من «كنيسة ودير صير بني ياس، ومسجد السيدة ميريم، والبيت الإبراهيمي الذي يتم بناؤه حالياً».

وفي بداية الجلسة، نقل سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، تحيات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى المشاركين، وأطيب تمنيات سموه لهم وعائلاتهم بدوام الصحة والعافية والسعادة بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.



وقال سموه: «إنها المرة الثانية التي يمر علينا هذا الشهر الفضيل وما زالت جائحة «كوفيد-19» منتشرة، لكن أملنا يتجدد بمواجهة هذا الوباء سواء كان على المستوى العلمي أو الاقتصادي والسياسي، وقبل كل ذلك الأمل برحمة الله عز وجل أن يزيل عنا هذه الغمة قريباً بالدعاء أولاً ثم بجهود أصحاب العلم والعزيمة».

مصير واحد

من جانبه، دعا الشيخ عبدالله بن بية رئيس مجلس الإمارات للإفتاء رئيس منتدى تعزيز السلم، إلى إيجاد نظرة جديدة للعلاقات البشرية، لأن البشر اليوم مثل ركاب السفينة يحكمهم مصير واحد، وهكذا سكان كوكب الأرض في سفينة واحدة إن لم يتعاونوا على صيانتها فمصيرهم الفناء.

وأضاف أن التحدي الذي يواجه الأفكار النبيلة يتمثل دائماً في تحويلها إلى مشاريع وأعمال على أرض الواقع، وهذا ما فعلته دولة الإمارات من خلال تفعيل جوهر الأديان، وإبراز دورها الإيجابي في خدمة البشرية، ولأن الإمارات بلد المبادرات فكان لها السبق في إطلاق وثائق مثل «وثيقة الأخوة الإنسانية»، التي تدعو إلى مبدأ الكرامة الإنسانية والعدالة، وفي الوقت نفسه للتسامح والسلم والرحمة والتضامن.

ونوه بن بية بأن هناك قيماً أزلية تزكيها النبوات والرسالات وتتلقاها العقول بالقبول، منها قيمة الحياة والكرامة، وتلك المتعلقة بخمس: الدين والنفس والعقل والعرض والمال.

وأوضح أن أهم القيم المشتركة بين الأديان بعد الإيمان بالله تعالى وعبادته، هي إعلاء كرامة الإنسان واحترام عصمته، فالبشر جميعاً على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم كرمهم الله عز وجل بنفخة من روحه في أبيهم آدم «عليه السلام»، ونشأ على قيمة الكرامة الإنسانية، وأيضاً المسؤولية، وقيمة السلام التي تدعو إليها جميع الأديان.



تعايش سلمي

من جهته قال النائب الرسولي في جنوب شبه الجزيرة العربية الدكتور المطران بول هيندر، إن وجود الكنيسة والمسجد ومقر وزارة التسامح والتعايش بمكان واحد في أبوظبي ليس حدثاً عرضياً أو مصادفة، إنما تجسيد لرؤى وفكر أشخاص يؤمنون بالأخوة الإنسانية، وضرورة العمل على تحقيق التعايش الإنساني السلمي بين البشر من جميع الأطياف والديانات والثقافات.

وأعرب عن أمله أن يكون «بيت العائلة الإبراهيمية» في أبوظبي منارة للتفاهم والتعايش، يمكن لممثلي الأديان الثلاثة من خلاله العمل معاً لغرس بذور الأخوة الإنسانية، والتأكيد أنه رغم اختلاف المعتقدات إلا أن مصدر الحياة والوجود هو خالق واحد، مؤكداً أن دولة الإمارات طرف مهم في هذا الأمل والطموح المنشود.



الإمارات نموذج

فيما أضاف رئيس الجالية اليهوية في الإمارات الحاخام الدكتور إيلي عبادي، أن التسامح والتعايش والأخوة الإنسانية ليست مجرد مفاهيم، بل مبادئ يلتزم بها الناس في دولة الإمارات ويعيشون بموجبها، مؤكداً أن الإمارات نموذج ومثال يحتذى للوصول إلى مستقبل أكثر إشراقاً وسلاماً وازدهاراً.

وأضاف أن «دولة الإمارات أحدثت فرقاً في حياتي وفي حياة المجتمع اليهودي، وكان لي شرف العيش بهذا البلد الجميل المبارك كوني رئيس الجالية اليهودية، وقد شعرت بكل الترحيب والاحترام وباحتضان الشعب الإماراتي لي».

وقال إن الديانات الإبراهيمية، اليهودية والإسلام والمسيحية، تتشارك في العديد من القيم، منها الإنسانية والسلام وقدسية الحياة وحسن الجوار، وأهم قيمة على الإطلاق هي الإيمان بالله، خالق كل شيء والمهيمن عليه.

مداخلات ومناقشات

خلال المحاضرة، طرح سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان سؤالاً حول أهمية الوعي ودوره في مواجهة الأفكار التي تستهدف غرس بذور التعصب والكراهية في المجتمعات، فأوضح الشيخ عبدالله بن بية، في إجابته أن التعليم هو أساس بناء الوعي والفهم، لأن الجاهل ‏لا يمكنه أن يكون له وعي، مشيراً إلى أن التعليم يجب أن يكون صحيحاً كاملاً غير مجتزأ، لأن التعليم الناقص هو جهل مركب، وهو أسوأ أنواع الجهل ‏لأن صاحبه يتصرف كأنه عالم، وبالتالي يوقع نفسه والآخرين في أوضاع سيئة ويظن أنها الحقيقة.

حوار الأديان

وفي حواره مع المطران بول هيندر، قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان: «نحن نعوّل على المفكرين الحكماء وعلماء الأديان ليرشدونا خلال الأوقات الصعبة، وقد شهد العقد الماضي الكثير من الاهتمام فيما يتعلق بالحوار بين الأديان، ما مدى صلة وأهمية ذلك بجائحة كورونا الحالية؟».

قال الدكتور هيندر إن اللقاء أو الحوار بين الأديان ضروري من أجل إعادة بناء السلام والتنمية في العالم، وإنه لمس هذا أثناء زيارة البابا فرنسيس إلى أبوظبي وزيارته مؤخراً إلى العراق، فقد أظهر أنه من المهم أن نلتقي دون خوف.



وأشار إلى «أن الوباء وضعنا جميعاً أمام تساؤل ربما لم نطرحه من قبل على أنفسنا بالنسبة للجميع، مسيحيين ومسلمين ويهود، أياً كانت الديانة، وأياً كان ما يؤمن به الناس، فإننا نواجه مسألة المرض والموت أثناء هذا الوباء، علينا أن نتعلم أن نواجه الموقف معاً وأن نتغلب على ما يمكن التغلب عليه، علينا أن نتعلم مساعدة بعضنا البعض حيثما كان ذلك ممكناً، وأعتقد أننا اختبرنا هذا الأمر خلال حملة التطعيم بهذه الدولة، فهي تجربتي الرائعة هنا، حيث إنني أعيش في هذا الدولة منذ 17 عاماً».

وفي مداخلة مع الحاخام عبادي، قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان: "لا شك أننا نعيش زمناً صعباً، لكن من خلال خبرتك وتجاربك، كيف يمكننا تحويل هذه الصعوبة، التي لا تميز بين الأعراق والأديان، إلى شيء أقوى بكثير لخير الإنسانية؟".

البشرية جسد واحد

وقال الحاخام عبادي في إجابته عن السوال «في الواقع سؤال مهم جداً بالنسبة لنا كوننا أهل إيمان.. كيف نرى هذا الوباء وما هي الدروس التي نتعلمها منه بعد مرور أكثر من عام عليه؟ حقيقةً هذا الوباء عامل مساواة بين الناس لأنه لم يفرق بين رجل وامرأة أو عرق وآخر أو جنسية أو بلد أو شعب، لم يفرق بين الأديان، لقد ساوى بين البشرية جمعاء».

وأضاف: «إن فيروس كورونا درسٌ وأعتقد أن الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نتعلمه.. وهو أننا جميعاً أخوة في الإنسانية، ولا يوجد فرق بيننا جميعاً، وحقاً أبناء إنسان واحد، وجميعنا متساوون بغض النظر عن اللون أو العقيدة أو الجنسية أو العرق.. فالبشرية جسم واحد، إذا تألم جزء منه تألم الجسد كله».

مجتمع التعايش

ووجه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان سؤاله إلى خبير الآثار بيتر هيلير: لقد عرف بييتر هذا الدولة منذ 50 عاماً، فعندما تفكر في دولة الإمارات خلال الخمسين سنة الماضية، وقد تمكنت من القراءة والتعرف على تاريخ هذه المنطقة، فهل ترى أن التعايش أصبح عنصراً أقوى لهذه الدولة؟

في إجابته قال بيتر: إن التعايش موجود منذ فترة طويلة منذ أيام المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، والذي أرسى دعائمه مبدأ أساسياً لدولة الإمارات، مضيفاً أنه على مدار السنوات الماضية التي عاشها بالدولة أصبح التعايش جزءاً أعمق في المجتمع، ونما مع نمو السكان، وازداد مع ازدياد عدد الجاليات الأجنبية التي جاءت للاستقرار في الإمارات، والديانات والثقافات التي يحملونها معهم جعلت دولة الإمارات أكثر تنوعاً مما كانت عليه قبل 45 إلى 50 عاماً.

وقال: «إن المجتمع يتقبل هذا التنوع دائماً بشكل يدعو إلى الدهشة، فأنا لا أتذكر في السنوات العديدة التي قضيتها هنا أي حوادث حقيقية للصراع بين جنسيات مختلفة وثقافات مختلفة وديانات مختلفة، لقد أصبح التعايش جزءاً روتينياً من مجتمعنا، وأعتقد أنه كلما واصلنا العمل معاً والعيش معاً»، مضيفاً إن الذين يعيشون في هذا البلد سواء كانوا إماراتيين أو غيرهم، هم في الواقع محظوظون للغاية لأنهم يعيشون في دولة تشهد وئاماً مستمراً وسيظل كذلك في المستقبل.

واحة التعايش

وفي إجابته عن سؤال سموه حول أهم المواقف التي أثرت فيه خلال عمله في جامع الشيخ زايد.. ذكر مدير عام مركز جامع الشيخ زايد الكبير ومدير عام صرح زايد المؤسس الدكتور يوسف العبيدلي، عدة مواقف توضح كيف أصبحت الإمارات واحة التعايش، وكيف تميزت من خلال هذا الجامع الذي يرمز إلى ثقافتها وديانتها، واستطاع أن ينشر رسائل التسامح والتعايش، موضحاً أن جامع الشيخ زايد استقبل خلال عام 2019 سبعة ملايين، منهم 85% من خارج الدولة.

وأشار إلى أن جامع الشيخ زايد أسهم في ترسيخ مفهوم التسامح وأصبح منصة للتواصل بين مختلف البشر بغض النظر عن دياناتهم وثقافاتهم وجنسياتهم، فهذا الجامع وهذه الممارسات التي أرساها المؤسسون وعلى رأسهم الشيخ زايد مصدر القوة والازدهار والسعادة.



دعم المرأة

وفي مداخلة بشأن دور المرأة، سأل سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، الداعية في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف مريم الزيدي: اليوم لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور ويزدهر دون أن يعطي للمرأة حقاً كاملاً، والمجال المماثل في خدمة الأسرة الوطن والإنسانية.. فكيف ترين هذا الدور؟

وأجابت بأن هذا الشيء أعيشه في كل يوم في بلادي التي قامت بتجربة رائدة في تمكين المرأة في جميع المجالات، وذلك بدعم ورعاية من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات».



وأضافت: «إنه عن تجربة شخصية كوني امرأة.. فقد فتح لي وطني كل مجالات الارتقاء والتعلم دون أي تمييز بيني وبين أخي الرجل، وهذا المعنى الصحيح والعملي لقول النبي الكريم «إنما النساء شقائق الرجال».