الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

شهادات على لسان طلبة تكشف عن صنَّاع التنمر في المدارس

شهادات على لسان طلبة تكشف عن صنَّاع التنمر في المدارس
«لا جناة في هذه القضايا.. هنا الجميع ضحايا»، هذا ما اتفق عليه جميع الأطراف في حوادث تنمر شهدها المجتمع الإماراتي أخيراً، انتشر بعضها على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما وقعت حوادث أخرى بعيداً عن عدسات الموبايل، ولكن يبقى السؤال «من هو الجاني إذاً، وكيف استطاع أن يزرع في طفل مسالم دوافع عدوانية تمثل خطراً على محيطه الاجتماعي؟».

«الرؤية» بحثت عن طلاب كانوا أطرافاً في حوادث تنمر، سواء ممن مارسوه أو عانوا منه، واستمعت إلى شهاداتهم عن هذه التجربة، في محاولة للكشف عن مصدر التنمر الرئيس والدوافع وراء اللجوء إليه، وكيف يتم التعامل مع الطرفين من قبل إدارات المدارس، والآثار السلبية نفسياً واجتماعياً الناجمة عن تلك الوقائع، والثغرات الواجب سدها للحد من المشكلة.

لست ضعيفاً


«سَمعتُ أصوات ضحكاتهم الصاخبة بعد صفعي تخترق أذناي وتشعرني بضعفي»، هذه الذكرى لم تغادر ذاكرة الطفل «زايد» الذي عانى من التنمر في مدرسته، حتى جاء اليوم الذي انتشر فيه فيديو على وسائل التواصل يظهر فيه مجموعة من الطلبة تضرب طفلاً ونظراته تحاول فهم ما يحدث، كان ذلك الطفل «زايد» واشتهر المقطع المصور باسم «فيديو الفجيرة».


ويقول زايد (13 عاماً) «حاول خنقي وضربني بطريقة وحشية أشعرتني بالإهانة وبأني كائن ضعيف.. غير قادر على الدفاع عن نفسي، أنا لم أخطئ في حقه، كل ما في الأمر أن شخصاً مجهولاً حدثني في حسابي على تطبيق سناب شات، محذراً إياي من أحد أصدقائي، نظراً إلى أخلاقه غير السوية، وعلى الرغم من أني لم أعرف من المتحدث معي لكني لم أحاول أن أسأله عن هويته».

وتابع «في اليوم التالي حذرت أحد أصدقائي في الفصل من سوء أخلاق صديقنا، وطلبت منه أن نبتعد عنه جميعنا، إلا أنه توجه للشخص نفسه (ع) وأخبره بما قلته عنه، لكنه لم يبد أي ردة فعل تجاه ما سمع وبقي صامتاً، وفي مساء اليوم ذاته تحدث عبر مجموعة واتساب، التي تضم نحو 20 طالباً من الفصل وطلب منهم أن يحضروا هواتفهم النقالة للمدرسة لأنه ينوي أن يضرب شخصاً وصفه بـ«قليل أدب» ويريد منهم تصوير واقعة الضرب».

صمت زايد للحظات مستحضراً تفاصيل الواقعة ثم أكمل «تفاجأت في اليوم التالي بمجموعة من زملائي يأتون، حيث كنت أجلس على الكرسي الخاص بي في الفصل الدراسي ثم أخرج أحدهم هاتفه النقال من جيبه وفتح الكاميرا، فيما اقترب مني (ع) وبدأ يصفعني بكلتا يديه على وجهي مرات عدة بطريقة وحشية وعنيفة، ثم أمسكني من رقبتي محاولاً خنقي.. ولم يهرع أحد لمساعدتي إذ اتخذ جميع زملائي دور المتفرجين».

وضع زايد يديه الصغيرتين على وجهه وكأنه يتحسس الألم الذي سببه له الضرب، وقال «بعد انتهاء الواقعة بقيت جالساً على الكرسي الخاص بي لأكثر من 5 دقائق، إلا أن صدمتي الكبرى كانت حين وجدت معلم اللغة الإنجليزية يقف داخل الصف وقد شاهد تفاصيل ما حدث لكنه لم يتدخل، وأقصى ما استطاع عمله هو أخذنا لإدارة المدرسة التي استدعت أولياء أمور الذين اعتدوا عليّ وصوروني، وحين رفضوا الحضور للمدرسة وقّع المعتدين تعهداً بعدم تكرار ما حدث».

وأضاف «لم أتمكن من إكمال يومي الدراسي، فخرجت من الفصل وتوجهت رأساً للبيت بعد أن أخذت إذن خروج من الإدارة، وحين رأتني والدتي عائداً في الساعة العاشرة صباحاً، سألتني ما بي إلا أنني لم أخبرها بما حدث ففضلت الصمت ودخلت غرفتي ولم أغادرها يوماً كاملاً وقضيت جُلّ وقتي بالألعاب الإلكترونية».

وقال زايد «تفاجأت في اليوم ذاته بمصور فيديو الاعتداء عليّ بالضرب ينشره على مجموعة واتساب، التي تضم معظم طلاب الفصل، وحين رأيته شعرت بالخجل وخشيت أن ينتشر بين أصدقائي وأفراد أسرتي. لذا، طلبت منه أن يحذفه فاستجاب لطلبي وكان لي ما أردت، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل اتصل بي (ع) وهددني بنشر الفيديو في حال أبلغت أهلي بما حدث لي، ما أجبرني على الصمت، لا سيما أنه محاط بمجموعة كبيرة من الأصدقاء يرافقونه في المدرسة وأثناء تجواله في الحي السكني والمراكز التجارية».

وعن آثار تلك الواقعة عليه، تحدث زايد «على الرغم من أن الخجل كان يغلب على طباعي إلا أنني بعد واقعة الاعتداء عليّ بالضرب أصبحت أكثر خجلاً ولا أحب الذهاب للمدرسة لأني أرى نظرات الاستهزاء من زملائي تحاصرني من كل اتجاه، كذلك فضلت عدم الخروج مع أصدقائي كالسابق، حيث كنا نلعب كرة قدم ونتوجه للمراكز التجارية أو نلعب عند البحر».

أخرَج زايد من صدره نفساً عميقاً وأكمل حديثه بنبرة صوت منخفضة «ظل الأمر في طي الكتمان طوال 4 أشهر، وفجأة تم نشر مقطع الفيديو الذي وصل إلى والدي، فكانت صدمته كبيرة وسألني عن سبب عدم إخباري له بما حدث معي فبررت له تصرفي بشعوري بالخجل، وعلى الفور أبلغ والدي مركز الشرطة».

علت نبرة صوت زايد في نهاية حديثه وهو يقول «ظل والداي ملازمين لي بعد انتشار الفيديو، ولم يشعراني بأني ضعيف، بل كانا يشجعاني لإنهاء عزلتي والخروج من المنزل مع إخوتي وأصدقائي وأقنعاني بأني قوي وشجاع، وأن ما حدث لي ما هو إلا حجر عثرة ومحطة سأعبرها وأتعلم منها كيف أدافع عن نفسي، ورسّخا بداخلي أهمية أن أقول «لا للتنمر»، فأنا قوي بتربيتي وأخلاقي واحترامي للقيم الإنسانية النبيلة، أما العنف فهو وسيلة الضعفاء».

حافلة كلباء

وفي واقعة تنمر مماثلة عرفت بـ«حافلة كلباء»، حدثت في يونيو الماضي وهو الشهر ذاته الذي وقعت فيه حادثة «فيديو الفجيرة»، اعتدى مراهقون يدرسون بالصفين العاشر والحادي عشر ضرباً وسباً على الطفل سلطان (11 عاماً)، وهو من أصحاب الهمم، في حافلة مدرسية كانت تقلهم لمدرستهم في مدينة كلباء بالشارقة، وقال سلطان لـ«الرؤية»: «تعرضت لضرب متكرر من المعتدين ومضايقات بدأت مع انطلاق العام الدراسي، وفي يوم الواقعة طلبوا مني الجلوس على أحد الكراسي الخلفية بالحافلة المدرسية ليتمكنوا من ضربي بعيداً عن مرأى السائق وليتولى أحدهم تصوير الواقعة بهاتفه النقال من أجل أن يهددوني بنشر الفيديو في حال أخبرت أحداً بما تعرضت له.

وفضل سلطان ألا يتحدث كثيراً عن تجربته مكتفياً بقوله: التجربة جعلتني أخشى الوجود بين التجمعات، سواء في المدرسة أو الأسرة، تجنباً لذكر تفاصيل الواقعة، كما استمريت ولفترة طويلة أتخيل أصواتهم وهم يوجهون له سيلاً من عبارات السب والشتم التي تخدش الحياء، ما جعلني كثير البكاء، وتالياً أثر سلباً على مستواي الدراسي».

الغيرة مشكلتهم

وروى الطالب محمد علي (12 عاماً)، الطالب في الصف السابع تجربته مع التنمر قائلاً «تعرضت للتنمر مرات عدة بسبب طول قامتي الذي تجاوز الـ164 سنتيمتراً، إذ تولدت الغيرة في نفوس زملائي الطلبة، سواء من في صفي أو في الصفوف العليا بسبب حرص مديرة المدرسة على وجودي ضمن الفريق الأول لكرة السلة أثناء مشاركة مدرستنا في البطولات مع المدارس الأخرى، ما مكنني من تسجيل معظم أهداف الفريق وتحقيق الفوز في كل مشاركة. لذا، واجهت تنمراً بأشكال مختلفة، تمثل أبرزها في إطلاق لقب «أبوطويلة» عليّ، استهزاء بطول قامتي، إذ يرسمون على سبورة الفصل عمود إنارة ويكتبون اسمي تحته، كما يندس أحدهم بين الطلبة أثناء التزاحم على ركوب الحافلة ويمد يده لسحب ذراعي بقوة من الخلف أو لقرصي بطريقة مؤلمة، ما جعلني أكره الاختلاط بزملائي وابتعد عن المشاركة في كافة الأنشطة المدرسية، بما فيها الرياضية».

استسلام للعنف

واستذكرت مروى عزيز الطالبة بالصف الثامن ما تعرضت له من تنمر قبل نحو عام، وما زالت آثاره إلى الآن ترسم شخصيتها، قائلة «اعتاد زملائي في المدرسة أن يوجهوا لي عبارات استهزاء، فأبلغتُ الإدارة بهذا الخصوص متهمة 3 طالبات بالاعتداء اللفظي المتكرر عليّ، تتضمّن كلمات جارحة وخادشه للحياء، والتقليل من قدر وظيفة والدتي، ما سبّب لي اكتئاباً حاداً ورغبة في جلوسي وحيدة لساعات طويلة، وجعلني شخصية مستسلمة لأي عنف يمارس ضدي».

عبارات مستفزة

«الرؤية» وبعد لقاء الطلبة ممن عانوا التنمر في مدارسهم، استمعت إلى دوافع الطلبة المتهمين في تلك القضايا، والأسباب التي جعلتهم يأخذون هذا الدور والجنوح باتجاه أذية أصدقائهم، وفي هذا الأمر ذكر أحد الأخوين ممن مارسا التنمر في واقعة «حافلة كلباء»: «اعتدنا عدم إخبار والدينا بالمشاجرات التي تحدث بيننا وبين زملائنا في المدرسة أو الحافلة، أما بعد انتهاء اليوم الدراسي، فنفضل البقاء خارج المنزل حتى وقت متأخر من الليل، نتجول في السينما والمراكز التجارية بصحبة مجموعة من أصدقائنا الذين يزيد عددهم على 10 أشخاص»، مشيراً إلى أن بداية دخولهما عالم التنمر بدأت بعمل مقالب لأصدقائهما لإضفاء جو من المرح والضحك، ثم تطور الأمر إلى أن وصل إلى مواجهة وعراك بالأيدي بين مجموعات الصبية من الحي السكني ذاته، بهدف إثبات الذات.

وعن واقعة تنمر الحافلة، قال «كانت ردة فعل على العبارات المستفزة التي صدرت من زميلنا الذي معنا بالمدرسة، إذ نقل إلينا صديق مشترك أنه كان يتفوه بعبارات غير مقبولة في حقنا أكثر من مرة، سواء في المدرسة أو بتجمعات الأصدقاء».

إهانة الضحية

أما الطالب «ن. ع» (14 عاماً)، والذي وثّق بكاميرا هاتفه تفاصيل واقعة تنمر «حافلة كلباء» فقال «منذ أن انضممت إلى شلة الأصدقاء الذين كانوا معي في واقعة التنمر، حتى أطلقوا عليّ لقب «الزعيم»، وهو يشعرني بقدرتي على فرض وجودي أمام عصابات المراهقين من الأحياء السكنية المجاورة، والصراعات الدائرة بين هذه العصابات التي يسعى كل منها إلى فرض وجوده».

وأوضح «منذ الصغر وأنا أُعنف من قبل أهلي عقاباً لي على سلوك التنمر الذي ظهرت مؤشراته الأولى في الطفولة، وتمثلت في استمتاعي بتوثيق وقائع الشجارات التي تحدث بين إخوتي وزملائي عبر تصويري لهم بهاتفي النقال لأعيد مشاهدة المحتوى بمشاركة أصدقائي ونحن في حالة ضحك هستيرية، ما يشعرنا بالنصر لإحساسنا بإهانة المتنمر عليهم».

الأنثى الوحيدة

وذكرت غاية (طالبة في الصف الثامن) أنها تنمرت مع مجموعة من صديقاتها على زميلتهن في الفصل الدراسي بواقعة رصدتها إدارة المدرسة، واتخذت الإجراءات اللازمة حيالها، مشيرة إلى أنهن كن يقمن بالاعتداء على الطالبة بسرقة دفاتر الواجبات الخاصة بها ورميها في سلة المهملات، والاستهزاء على طريقة كلامها لكونها تعاني من تلعثم في النطق (تأتاة)، ويطلبن منها أن تكتب لهن واجباتهن المدرسية، كما يهددنها بقطع علاقتهن بها في حال أخبرت المعلمة أو أسرتها.

وتبرر غاية فعلتها «بحكم أني الأنثى الوحيدة بين إخوتي الذكور، عزّز والدايّ بداخلي أهمية أن أكون متمردة وأمارس العنف لأحمي نفسي من أي اعتداء متوقع عليّ، وحين كنت أخبر والدي بضربي لإحدى زميلاتي دفاعاً عن نفسي كان يكافئني ويشجعني».

لقراءة المزيد عن الموضوع: عالم التنمر.. أسرار يخفيها الأبناء خوفاً من الابتزاز والآباء آخر من يعلم

لقراءة المزيد عن الموضوع: دراسة: النعت بالألقاب يتصدر أساليب التنمر.. ومطالب بدور إيواء لتأهيل الضحايا