تتواجد دولة الإمارات العربية المتحدة، في مقدمة الأعمال الإنسانية عالمياً وتحرص على أن تكون اليد الأولى التي تمتد لتقديم الدعم والمساعدة للمحتاجين في أرجاء العالم، ولأن التعليم هو أساس الحياة وحق مكتسب لكل من يعيش على الأرض، فقد قدمت الإمارات نموذجاً مبتكراً لمن حرمتهم الظروف من التعليم في إطلاقها «المدرسة الرقمية»، وتحالف مستقبل التعليم الرقمي، خلال شهر نوفمبر الماضي. وفقاً للجمعية العامة للأمم المتحدة، ما زال 258 مليون طفل وشاب غير ملتحقين بالمدارس، وهناك 617 مليون طفل ومراهق لا يستطيعون القراءة والكتابة والقيام بعمليات الحساب الأساسية، وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يقل معدل إتمام المرحلة الدنيا من التعليم الثانوي عن 40%، ويبلغ عدد الأطفال واللاجئين غير الملتحقين بالمدارس زهاء 4 ملايين نسمة. وتحتفل الجمعية بالدورة الثالثة لليوم الدولي للتعليم (24 يناير) تحت عنوان «إنعاش التعليم وتنشيطه لدى الجيل الذي يعاني من جائحة كوفيد-19»، مؤكدة أن الوقت قد حان لدعم التعليم من خلال النهوض بالتعاون والتضامن الدولي من أجل وضع التعليم والتعلّم مدى الحياة في مركز عملية الانتعاش. ووفقاً للتقرير الرسمي لدولة الإمارات، فقد حققت الإمارات الريادة على مستوى العالم باحتلالها المرتبة الأولى عالمياً في تقديم المساعدات الإنسانية والإنمائية لدول العالم خلال السنوات الماضية، انطلاقاً من النهج الذي أرسى قواعده القائد المؤسس، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، في تقديم كافة أشكال المساعدة للشعوب الفقيرة والمحتاجة، ومساعدتها في تلبية احتياجاتها ومتطلباتها، وسارت على النهج ذاته القيادة الرشيدة برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وأصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد، حكام الإمارات. إن المساعدات الإنسانية التي تقدمها الدولة لا ترتبط بالتوجهات السياسية للدول المستفيدة منها، ولا البقعة الجغرافية، أو العرق، واللون، والطائفة، أو الديانة، بل تراعي في المقام الأول الجانب الإنساني الذي يتمثل في احتياجات الشعوب، والحد من الفقر، والقضاء على الجوع، وبناء مشاريع تنموية لكل من يحتاج إليها، وإقامة علاقات مع الدولة المتلقية والمانحة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. المدرسة الرقمية وتعتبر المبادرة أول مدرسة رقمية عربية متكاملة ومعتمدة توفر التعليم عن بُعد بطريقة ذكية ومرنة للطلاب من شتى الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والمستويات التعليمية ومن أي بلد في العالم، كما يتكامل التحالف مع جهود المدرسة الرقمية لتسهيل توفير التعليم بمختلف مراحله للطلبة حول العالم، مع التركيز على الفئات المحتاجة من الطلبة، كاللاجئين أو أولئك المتواجدين في المناطق والمجتمعات الأقل حظاً. وأكدت الإمارات العربية المتحدة أن المبادرة توفر تعليماً ذكياً للطلاب «عن بعد»، أينما كانوا وفي أي مكان على وجه الأرض، وذلك إيماناً من القيادة الرشيدة للبلاد بأهمية التعليم وتقديم يد العون للمحتاجين في كافة بقاع العالم. وأكد وزير دولة للذكاء الاصطناعي، رئيس مجلس إدارة «المدرسة الرقمية» الدكتور عمر بن سلطان العلماء، أهمية إعطاء الفرص للتعليم والتعلم وتوفير الفرص التعليمية لمن لم يحالفهم الحظ أو حرمتهم الظروف من عدم الحصول على فرصة للتعليم، مشيراً إلى أن المبادرة ستوفر تعليماً ذكياً للطلاب «عن بُعد»، أينما كانوا وفي أي مكان على وجه الأرض، وذلك إيماناً من القيادة الرشيدة للبلاد بأهمية التعليم وتقديم يد العون للمحتاجين في كافة بقاع العالم. من جهته أفاد المنسق العام للمدرسة الرقمية، الدكتور وليد آل علي، بأن البداية التجريبية للمشروع ضمت 20 ألف طالب وطالبة في 4 دول، ضمن مخيمات للاجئين في كل من: العراق وسوريا والأردن ولبنان، وأنها تستهدف الوصول لمليون طالب خلال السنوات الخمس المقبلة، وأنه تم التنسيق على الانطلاقة لهذه المبادرة مع هيئة الهلال الأحمر الإماراتية وبين المعنيين في تلك الدول، بحيث يتم توفير البنية التحتية من خلال شركات مختصة، من أجهزة وتقنيات واتصالات وتوفيرها للطلاب، سواء في المخيمات أو من خلال مراكز تعلم توفر ذلك. كما أطلقت الإمارات، في مجال تقديم الدعم العالمي للمحتاجين حول العالم بما يخص مجال التعليم، «تحالف مستقبل التعلم الرقمي»، الأول من نوعه، والذي يعمل على توحيد جهود تطوير مستقبل أنظمة التعليم الرقمي على مستوى المنطقة والعالم، وتوفير فرص تعليمية مستقبلية متساوية للطلبة، وخاصة الطلاب اللاجئين في المخيمات والمحرومين في المجتمعات الهشة والمهمشة، وذلك بالاستفادة من تطبيقات التكنولوجيا المتقدمة والحلول الرقمية. ويحظى «تحالف مستقبل التعلم الرقمي» بدعم من دبي العطاء، إحدى مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية، والهلال الأحمر الإماراتي، وخبراء من شركات الاتصالات والتكنولوجيا، ويجمع المجلس الاستشاري للتحالف العالمي لمستقبل التعلّم الرقمي في عضويته خبراء تربويين وتقنيين من جامعات عالمية مرموقة مثل جامعة ستانفورد، وجامعة هارفارد، وجامعة نيويورك، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إلى جانب ممثلين من منظمات غير ربحية مثل تحالف «أم أديوكيشن» التعليمي، وخبراء التعليم واختصاصي التربية من جامعات ومؤسسات أكاديمية عالمية مرموقة.

«العمل عن بُعد».. تجربة استثنائية تستشرف مستقبلاً رقمياً بلا تحديات
عممت المؤسسات والجهات الحكومية والخاصة في الإمارات تطبيق نظام العمل عن بُعد، تماشياً مع الإجراءات والتدابير الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا المستجد ولحماية أفراد المجتمع من خطر العدوى به.
وصف موظفون وموظفات في دبي التجربة بالاستثنائية، وبأنها تحتاج لمزيد من الدعم للأنظمة التي تلبي احتياجات الموظف، داعين لتطوير الابتكارات في مجال العمل عن بُعد وتحديث منظومة خاصة به، بما يضمن إنجاز المهام بسهولة والحفاظ على سرية المعلومات الذي يترافق مع جودة الأداء.

وأكدوا أن التوجه للعمل من المنزل أثبت الرؤية الصائبة للحكومة منذ سنوات في تطوير قطاعات الذكاء الاصطناعي وتأسيس وزارة متخصصة له، فضلاً عن دعم القطاع التكنولوجي ورفده بأفضل التقنيات المتقدمة.
وأوضحوا أن التجربة تحمل بين طياتها إيجابيات عديدة، ولا يزال أمام المؤسسات والجهات الكثير للقيام به في مجال تطوير القاعدة الأساسية لهذا التوجه من العمل، والاستعانة بدعم الدولة للقطاعات المختلفة لتأمين الخصوصية وحماية الملفات والمعلومات.
تحديات وإنجاز
واعتبرت رئيسة مجلس دبي للشباب مريم العبيد، نظام العمل عن بُعد أفضل طرق الإنجاز، إذا توفرت الإمكانات والتقنيات التي يمكن استغلالها وتطويعها واستخدامها.

وقالت إنه بالرغم من وجود تحديات على تطبيق النظام كافتقاد التواصل المباشر مع الزملاء والمديرين وانعدام النقاشات الإنسانية والتعاطي عن قرب، لكنه حيوي ومهم خاصة في الظروف الاستثنائية مثل أزمة فيروس كورونا التي يمر بها العالم ككل، ما يتطلب الارتكان إلى روافد الذكاء الاصطناعي والتقدم التكنولوجي لمواجهة هذا الوباء.
ولفتت العبيد إلى أن إجراءات العمل عن بُعد موجودة بالفعل في اللوائح التنظيمية للموارد البشرية وليست جديدة، ولكن تحتاج للتكييف والتطويع والتهيئة وبناء ثقافة كاملة للتوعية بالنظام ومميزاته، في ظل عدم التعود عليه.
إتيكيت التواصل
وذكرت أن للعمل عن بُعد قواعد أو «إتيكيت خاص»، وأبسطها لتحقيق الفائدة والمتعة، الالتزام بالهندام الرسمي في ساعات العمل من المنزل، خاصة في المكالمات المرئية مع المسؤولين وفريق العمل، فضلاً عن مسألة تبادل الملفات السرية وكيفية الحفاظ على خصوصيتها.
ونوهت العبيد بضرورة الالتزام باحترام الأطراف التي تتواصل عن بُعد، خاصة أن الفترة الماضية شهدت طلبة في مدارس يصورون المعلمين بطريقة غير لائقة، مؤكدة أنه يجب وضع لائحة محددات وقيود للتواصل خلال العمل عن بُعد، وإجراءات تعكس طرق التعامل الإنساني الراقي والصحيح.
حدود والتزامات
ولفتت إلى أن هناك حدوداً يجب الالتزام بها عند استخدام منصة رقمية للتواصل، وهذا يحتاج للتعود من أفراد المجتمع وتوفر مستوى معرفي وعقلي معين لدى الفئة المستخدمة لتلك المنصة.
وأشارت إلى أهمية تعلم تحويل الأعمال اليدوية إلى رقمية، وكيفية حفظ الملفات وأرشفتها والتعاطي معها، وهل التوقيع الإلكتروني هو الحل في هذه الحالة؟، فضلاً عن الإجراءات التي يجب اتخاذها لتنظيم هذا القطاع ككل.
واختتمت بقولها إن العمل عن بُعد ممارسة ناجحة وجيدة تحتوي على إيجابيات كثيرة، ويمكن استغلالها لتوفير الوقت وإبقاء الأمهات مع أطفالهن الصغار وتخفيف الازدحام وتوفير موارد المؤسسات بالجلوس في المنزل.
الدعم التقني
ومن ناحيتها، أكدت مديرة حسابات في شركة أبوظبي للمطارات سهيلة النعيمي أن أدائها خلال العمل عن بُعد لم يتأثر، ولكنه يحتاج فقط لتنظيم خاص مع وجود الأطفال في المنزل، فضلاً عن التحديات الأخرى التكنولوجية.

وأشادت بالدعم الذي تتلقاه من قسم التقنية في مقر عملها، ودعم جهة عملها للموظفين بتوفير أجهزة كمبيوتر وصلاحيات للدخول لحسابات الشركة.
ونوهت بأن التوجه للعمل عن بُعد خطوة اعتادتها في السابق، من خلال إنجاز بعض المهام والساعات الإضافية من المنزل، مشيرة إلى أهمية تطوير الدخول لبرامج الشركة الخاصة بكل موظف بشكل آمن.
نجاح التجربة
ومن واقع تجربتها، تؤيد مديرة الموارد البشرية بإحدى الشركات أماني محمد، العمل عن بُعد ليس فقط في الأزمات ولكن بشكل عام، وترى أنه لا مانع من استمرار العمل به مستقبلاً، ما يوفر الموارد البشرية للشركات ويخفف الازدحام والتلوث الذي تصدره مركبات الموظفين يومياً.
ونوهت بأن هناك بعض التحديات التقنية التي تواجهها، إضافة إلى تحديات أخرى مثل الحاجة لطباعة رسائل مروسة باسم الشركة والتي لا تتواجد في المنزل.
العمل بالمناوبات
فيما تطالب مديرة العلاقات العامة في أحد البنوك ولاء أحمد، بأن يكون العمل من بعدُ جزئياً، بحيث يعمل فريق من المنزل وآخر من المكتب (مناوبات)، لكي يقدم الدعم والمساعدة لمن يعملون من المنازل، قائلة عن التجربة إنها سهلة ويسيرة خاصة أن مهام عملها تتم مع المتعاملين عبر الهاتف أو الإيميل.

أنظمة الشركات
بدوره أفاد موظف في شركة تقنية معلومات مالك عقيلي، بأن العمل عن بُعد تجربة مثالية، وأنه اعتاد عليها منذ فترة، لدرجة أنه حوّل غرفته بالمنزل إلى مكتب للعمل.

وأوضح أنه في بعض الأمور التي تحتاج لدعم من الشركة يقوم مباشرة بالاتصال المرئي، ولكن هناك نقاط يجب تفعيلها من قبل الشركات، منها تحديث أنظمة الشركات عبر منح الموظفين الذين يعملون عن بُعد أحقيات للدخول على الأنظمة، مع توفير حماية للمعلومات، والحفاظ على سرية الملفات، وبالوقت ذاته توفير مراقبة داخلية من الشركة لأداء الموظفين وتقييم أدائهم، وتحديد ساعات للدخول والعمل على الأنظمة والخروج منها، فضلاً عن توفير بصمة لبدء العمل عبر غروبات على واتساب وغيرها من المنصات الرقمية.
تطوير تطبيقات
أما ليال لزيق فوصفت العمل عن بُعد بالمبادرة الجيدة التي تلبي توجه الحكومة الذكية، ولكن التجربة بحد ذاتها تحتاج لتطوير تطبيقات خاصة عبر الذكاء الاصطناعي، لتوفير الحماية لمعلومات الشركات وتوفير الخصوصية للموظفين.

سياسات وإجراءات
وبدوره ذهب خبير تقنية المعلومات عبد النور سامي، إلى تحفيز العمل عن بُعد في المهام التي لا تتطلب الحضور، مع وجود نظام لتتبع أداء الموظفين للحفاظ على الأداء والإنتاجية والفاعلية.

ونوه بأنه لديمومة النظام يجب تغيير السياسات والإجراءات في هذا المجال، وجدولة الأنظمة بشكل تقني لتنظيم العمل والبعد عن الطرق التقليدية، والتوثيق الرقمي بشكل أكبر، وتوزيع الصلاحيات عبر النظام، والابتعاد عن الأنظمة العشوائية أو الجاهزة حتى في إدارة الأزمات.
وتابع: «فضلاً عن دراسة الاحتياجات للشركات ودراسة احتياجات الموظفين وتدارك الأمر برؤية واتخاذ حلول للمدى القريب وأخرى للمدى البعيد، يجب الاستخدام الآمن عبر توعية الموظفين في أمن المعلومات، وحماية أجهزتهم سواء الشخصية أو الخاصة بالعمل».
وأكد سامي على الحاجة لمنظومة متكاملة مترابطة لإدارة العمليات والمشاريع وبرامج تحليل ومساندة، ومنظومات للاجتماعات الداخلية والتواصل والمواعيد والحجوزات لدى جميع الشركات بشكل مستقل، على أن ترتبط جميعاً تحت مظلة واحدة وفق طبيعة العمل.
وأفاد بأن بعض المؤسسات والشركات ليست لديها بنية تحتية تقنية أو استعداد كامل للتعامل مع الأزمات من هذا النوع.
وعن التحديات التقنية، قال إن الموظف من المنزل يواجه صعوبة في سرعة الإنترنت، وبطء الأجهزة الشخصية، خاصة أن هناك شركات غير قادرة على توفير أجهزة رقمية لكل موظفيها، وأيضاً تحتوي بعض الأجهزة الخاصة على فيروسات تؤثر على العمل عن بُعد.
وقال سامي إن الشركات التي ليست لديها بنية تحتية تقنية قوية من الصعب أن تنقل منظومتها للعمل عن بُعد، وبشكل رقمي متكامل في فترة زمنية قصيرة، خاصة أن العديد من الجهات لا تستخدم منظومة متكاملة بل تلجأ لوسائل تواصل أخرى منها واتساب أو الإيميل.