الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

أنور الحمادي لـ«الرؤية»: الجلدية ليست بوتوكس وفيلر.. وأحزن عند إبلاغ المريض بتشخيص صعب

أنور الحمادي لـ«الرؤية»: الجلدية ليست بوتوكس وفيلر.. وأحزن عند إبلاغ المريض بتشخيص صعب

أنور الحمادي.

قال استشاري أمراض الجلدية بجامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية الدكتور أنور الحمادي، إن شهرته الواسعة على وسائل التواصل الاجتماعي، منبعها الثقة التي بناها مع الناس، من دون استغلال، وبمراعاة كاملة للضمير المهني والإنساني، مبيناً أن دوره يرتكز بالأساس على التثقيف والتوعية والتوجيه الصحيح، وفرز المرضى الذين يطلبون استشارته على «سوشيال ميديا».

وأضاف، في حوار إنساني يمتزج بقليل من الطب مع «الرؤية»، أنه يبكي عندما يخبر مريضاً أو ذويه أنه يعاني من مرض وراثي مزمن سيعيش معه بقية حياته، مشيراً إلى أنه يجني حالياً ثمار تعب وغُربة استمرت 14 عاماً في دراسة الطب.

وفيما يلي نص الحوار:


- حدثنا عن البداية؟


وُلدت في يوم العَلم، 3 نوفمبر عام 1973 في دبي، ودرست في مدارس الشارقة، ثم درست الطب بجامعة الإسكندرية بمصر، وحصلت على الماجستير من الولايات المتحدة الأمريكية، ثم درست التخصص لمدة 5 سنوات في كندا، وبعدها عُدت إلى نيويورك لدراسة التخصص الدقيق والحصول على الزمالة.

أعُدّ نفسي تلميذاً في مدرسة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيَّب الله ثراه، الذي أراد تميّز وتفوّق المواطنين، والدولة لم تقصر معنا وبعثتنا للخارج، وقررت دراسة الطب لأن الدولة تحتاج إلى أطباء، وما تزال الإمارات في حاجة إلى أطباء حتى الآن، ولدينا كثير ممن أنهوا دراسة الطب لكنهم لم يتخصصوا وتحولوا لإداريين.

لا أعُدّ هذا خطأً، لكن نحن في أشد الحاجة لأطباء مواطنين ممارسين للمهنة، وحالياً أجني ثمار تعبي، حيث عانيت الغربة، خصوصاً في دراسة تخصص الجلدية في كندا، حيث درجة حرارة تنخفض عن 30 تحت الصفر، وأنا ابن الخليج الذي اعتاد العيش في مناخ تتجاوز حرارته، أحياناً، 50 درجة مئوية، لكن هذه الظروف علمتنا الاشتياق للوطن، وجعلتنا ندرك النعمة التي نعيشها في بلدنا.

- لماذا اخترت تخصص الأمراض الجلدية؟

الجلد هو أكبر عضو في جسم الإنسان، وأمراضه ليست عبارة عن حَب الشباب والإكزيما كما يتصور البعض، لكنه يعبّر عن الأمراض الكبيرة، بما في ذلك الكبد والقلب والكلى والمناعة وغيرها، ودرست الأمراض الجلدية المستعصية لمدة 14 عاماً لكي أمارس دوري كطبيب جلدية ولست مجرد شخص يعطي حُقن البوتوكس والفيلر.

- ما الفرق بين طبيب الجلدية في عقود سابقة ونظيره حالياً؟

عندما أصبح التجميل (تشويهاً) تضررت هذه المهنة، فالطب، أساساً، مهنة إنسانية سامية، وهدفنا الرئيسي ليس جمع المال بل خدمة الإنسانية.

للأسف، المهنة تغيرت كثيراً خلال العشر سنوات الأخيرة، لكن ثمة تغيرات إيجابية أيضاً، مثلاً مرض الصدفية كان مستعصياً دون علاج، لكن أصبحت نسبة الشفاء منه الآن تصل إلى 100%، كما أن الطبيب بضغطة زر يمكنه الحصول على كل المعلومات التي يريدها، بل إن المريض نفسه تغير حتى أصبح «دكتور غوغل» ولديه معلومات كثيرة حول مرضه.

- إلى أي وجهتَي النظر تنتمي فيما يتعلق بـ«طبيب الغلابة» محمد مشالي، رحمه الله؟ هل أنت ممن يرونه إنساناً مثالياً أم نموذجاً غير مشرف للأطباء بسبب إهماله لمظهره؟

إنه مثال مشرِّف بلا شك، ودمعنا جميعاً عند وفاته. لقد ذكّرنا هذا النموذج بإنسانية مهنة الطب.

قبل عدة سنوات زارتني مريضة من الواضح أنها فقيرة، فرفضت أخذ ثمن الاستشارة منها، ثم دخلت حالة تحتاج لتدخل جراحي بسيط بعائد مادي كبير ولم أتقاضَ منها شيئاً، هذا هو مردود العطاء وقيمته، وليس هناك أجمل من أن تضع رأسك على الوسادة عند النوم وتصحبك دعوات الناس.



- ما تفسيرك لعزوف المواطنين عن دراسة الطب؟

هناك نقص كبير في الأطباء المواطنين، فالطبيب يدرس 7 سنوات ويحصل على راتب أقل ممن يدرس 4 سنوات فقط ويعمل في بنك أو شركة أو غيره، كما أن الطبيب مسؤول عن أرواح الناس، ويعمل تحت ضغط، لذلك يجب تشجيعه، حتى إن الأطباء يتخصصون، حالياً، في تخصصات غير مرهقة ولا تتطلب المناوبات أو المبيت بالمستشفى.

- ما الحالات المرضية التي تتذكرها ولا تغيب عن ذهنك؟

لا أنسى مرضى التهاب الغدد العرقية القيحي، هذا مرض مزعج للغاية يصيب النساء أكثر من الرجال، وهو عبارة عن «دمامل» تظهر تحت الإبط والصدر والأعضاء التناسلية، وليس له علاج شافٍ، حتى إن كثيراً من الحالات لا تتعافى بعد الجراحات، فتجد المريض أنيقاً للغاية ويرتدي أفخم الملابس، لكنها ملوثة بالدم بسبب هذه «الدمامل».

ومن الصعب نسيان المصابين بالأمراض المناعية، فهي مؤلمة وتؤرقني للغاية، إضافة إلى مرضى البهاق الشديد والثعلبة الكاملة.

- لماذا تركت العمل في القطاع الحكومي المتمثل في «صحة دبي»؟

أعُدّ نفسي ابناً لهيئة الصحة بدبي، حيث عملت لمدة 10 سنوات وأصبحت رئيساً لقسم الجلدية بمستشفى راشد، لكن لا بد من وقت لالتقاط الأنفاس.

رأيت كل الخير من «صحة دبي»، بما في ذلك العلاجات المهمة والحديثة، لكن أنا مع التغيير في الإدارة باستمرار لضخ دماء جديدة.

- ما الدروس المستفادة من جائحة كوفيد-19 برأيك؟

علمتنا هذه الأزمة إدراك قيمة الرفاهية التي نعيشها، وذكّرتنا بأهمية الحياة البسيطة، وأدركنا قيمة التواصل، وعدم التهاون في الصلاة، حيث اشتقنا للمساجد، كما أعادت إلى أذهاننا أن نحمد الله على نعمة الصحة، وأنّ الإنسان ضعيف للغاية أمام أشياء بسيطة.

وبالطبع، أصبح لدينا وعي بمخاطر الشائعات، وترسخت لدينا أهمية الحرص على العائلة وقيمتها وحمايتها من المخاطر.

- متى يبكي أنور الحمادي؟

بكيت في كثير من المرات، لكن أهم من يسقط دموعي هم مرضى الأمراض الجينية الوراثية، فتجد الشاب متزوجاً حديثاً ويُرزق بمولود به عيوب خلقية بسبب الأمراض الوراثية، وأصعب شيء على الطبيب هو إخبار المريض أو ذويه بأمر حزين، وعند إخبار ذوي الطفل أحزن بسبب بكاء الأب والأم والجدة، لكن بعضهم أكثر إيماناً فيحمد الله أنه سيحصل على أجر من ربه على تربيته طفلاً يعاني مرضاً مزمناً أو متلازمة ما.

- أنت تقريباً أشهر طبيب إماراتي يمتلك منصات قوية على وسائل التواصل الاجتماعي، ما إيجابيات وسلبيات التعامل مع الأمور الطبية المختصة على هذه المنصات؟

وسائل التواصل الاجتماعي يسرت أموراً كثيرة، فتوصيل المعلومة الطبية للصغار والكبار أصبح سهلاً، وكل منصة لها جمهورها، وكثير من الأطباء لديهم حسابات على هذه الوسائل لكن من دون تواصل.

حصلت على جائزة أكثر مؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي عن فئة الصحة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله.

نحن في زمان أصبح لزاماً علينا أن ندرك أن الناس تقذف المنشورات الورقية في سلة المهملات، لكنها تنصت جيداً لوسائل التواصل الاجتماعي، وعلينا دور كبير في تفنيد الشائعات الطبية، نريد مجتمعاً مثقفاً طبياً وألا تقتصر منصاتنا على الدعاية للطبيب، إلا أن وسائل التواصل لا تحل مكان الطبيب بأي حال، لكني أستطيع فرز المرضى من خلال الاطلاع على الأعراض التي يرسلونها على التواصل الاجتماعي، وأجد أنه ليست كل الأعراض سببها أمراض جلدية، وهنا الأمانة مطلوبة لتوجيه المرضى بشكل صحيح، وهناك حالات كثيرة أنصحها بعدم زيارة الطبيب، وأن أعراضهم مؤقتة وستختفي بعد وقت قصير، وهذه الحالات من الممكن أن يستغلها طبيب بلا ضمير ويطلب منها زيارة عيادته للاستفادة المادية.