الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«خطّابات 2020».. حسابات سوشيال ميديا ترفع شعار «رأسين بالحلال» للابتزاز والنصب

«خطّابات 2020».. حسابات سوشيال ميديا ترفع شعار «رأسين بالحلال» للابتزاز والنصب
بين الماضي والحاضر، اختلفت الصورة النمطية عن الخطّابة بأسلوبها القديم القائم على «الشرح المفصل» للتوفيق بين رجل وفتاة الأحلام، متسلحة بالموثوقية والسمعة التي يشهد بها أهل المنطقة وكذلك المكافأة البسيطة، لتصبح «خطّابات 2020» مجرد حسابات على منصات التواصل الاجتماعي ترفع شعار «رأسين بالحلال» مع تأمين كل ما يلزم في هذا الجانب من صور ومعلومات شخصية تروج للعروس أو العريس مقابل مبالغ مالية كبيرة، ومن دون أي ضمانة بعدم استغلال تلك البيانات في ابتزاز أصحابها فيما بعد.

ووفقاً لخطابات جيل الأونلاين، ارتفع الإقبال على طلبات الزواج إلكترونياً خلال جائحة كورونا، مقارنة مع الفترات السابقة، في الوقت التي تحذر فيه الجهات الأمنية من التعامل مع مزاولات هذه الأنشطة إلا بعد التأكد من وجود ترخيص لديهن من قبل الجهات المعنية.

من جهته، صرح رئيس المجلس الاستشاري الأسري بدبي الدكتور خليفة المحرزي، بأن غياب الرقابة عن هذا النشاط جعله تجارياً بحتاً، تسيطر عليه العشوائية والفوضى، بسبب عدم التأكد من صحة المعلومات الخاصة بالمتقدمين لطلب الزواج.


متابعون بالآلاف


وفي جولة افتراضية لـ«الرؤية» بمنصات التواصل الاجتماعي رصدت عدداً من الحسابات المنتشرة في تطبيقي تويتر وإنستغرام لخطّابات تحت مسميات مختلفة مثل «أم علي» أو «أم سعود» أو «روضة الخطّابة» وتحظى هذه الحسابات باهتمام واسع من متابعي هذه المواقع، إذ يختلف عدد المتابعين لدى كل «خطّابة» ويصل البعض منهم إلى 30 ألف متابع، حيث تشهد تفاعلاً واضحاً في التعليقات أو إرسال مواصفات الراغبين في الزواج.

وفي محاولة إجراء الصحيفة حوارات مع عدد من أصحاب هذه الحسابات رفضوا جميعهم التصريح بأي معلومة تتعلق بنشاطهم، باستثناء صاحبتي حسابين، أشارتا إلى وجود حسابات يديرها رجال وراء مسميات «خطّابات» بغرض التجارة.

مهنة متوارثة

وأكدت الخطّابة «أم عقيل» أنها تعمل في هذه المهنة منذ أكثر من 26 عاماً بعد أن ورثتها من جدتها التي كانت تصحبها معها في حفلات الخطوبة والأعراس بعد أن توفق بين طرفيها، ما جعلها تحب هذه المهنة التي تعلمت أصولها منذ طفولتها المبكرة وكانت بدايتها من خلال السعي إلى تزويج بنات الجيران والأقارب، إلى أن تطور نشاطها وأصبح «طالبو الحلال» يتواصلون معها هاتفياً لإخبارها بمواصفات الزوجة التي ينوون الارتباط بها، وبدورها، تتولى زيارة البيوت التي توجد لديها فتيات غير متزوجات لتوفّق بين رأسين بالحلال.

وأوضحت أنها اضطرت للتوجه لساحات «سوشيال ميديا» كونه أضحى وسيلة تعارف سريعة ومباشرة، إضافة إلى اتساع رقعة نشاطها على مستوى دول الخليج العربي.

وفيما يتعلق برسوم خدمتها، قالت: «حددت لطالبي الزواج، من ذكور وإناث، مبلغ 4 آلاف درهم لـ(ربط الكلام) أو (فتح ملف) الذي يوفر فيه المتقدم، البيانات الشخصية كاملة، مثل الاسم، والعمر، والوظيفة، ومكان السكن، والتي يتم فيها المحافظة على سرية المعلومات، و15 ألف درهم عند عقد القران يدفعها مقدم الطلب».

ولفتت إلى أن شخصيات مجتمعية مرموقة من الرجال يقصدونها للزواج من فتيات ذات مواصفات محددة تتعلق في الأغلب بمستوى تعليمي عالٍ وفئات عمرية بين 30 و43 عاماً، أما نوع الزواج فيكون مسياراً أو سرياً (بدون علم أسرهم) لأن معظم أصحاب هذه الشخصيات يسعون للتعدد، موضحة أن زواج المسيار حلال شرعاً، إذ تُحفظ فيه حقوق المرأة الشرعية، لكونه زواجاً مصدّقاً من المحكمة، غير أن المرأة لا تشترط مبيت الرجل لديها.

وأضافت «أضحت مهنة الخطّابة اليوم وسيلة للتكسب والتربح بعد ظهور حسابات، قد يديرها رجال بمسمى خطّابات، بهدف استغلال الراغبين في الزواج مادياً، أو قد يستخدمون المعلومات والصور الشخصية الخاصة بهم في ابتزاز المتقدمين للزواج دون وجود رقابة عليهم».

نظرة شرعية

وأشارت إلى أنها تواجه الكثير من حالات غير الجادين في الزواج، لا سيما بعض الرجال الذين يرغبون في التعارف فقط على حالات معلن عنها ويكون هدفهم التلاعب وليس الزواج، مؤكدة أنها تحرص على عدم إعطاء أي معلومات عن الحالة التي لديها باستثناء رقم الهاتف بعد تحديد موعد للاتصال بإشرافها.

وأردفت «عند إيجاد طرفين مناسبين لبعضهما بعد دراسة المواصفات المتعلقة بكل حالة، تتواصل مع كليهما لإخبار كل طرف بمواصفات الآخر، ومن ثم تسعى إلى تنسيق لقاء للنظرة الشرعية للطرفين، في منزل أهل الفتاة وعليه يتم إبداء الموافقة أو الرفض».

مستندات إثبات

وقالت إحدى الخطّابات التي رفضت نشر اسمها إنها تعمل في هذه المهنة منذ أكثر من 5 أعوام، متخذة من مواقع التواصل الاجتماعي مكاناً لمزاولة نشاطها.

وأكدت أن زيادة طلبات الزواج زادت بشكل ملحوظ أخيراً، لا سيما خلال أزمة كورونا التي أنعشت سوق الخطّابات بزيادة عدد الطلبات اليومية بنسبة تبلغ نحو 45% مقارنة بالفترات السابقة.

وأشارت إلى الرسوم التي تفرضها لتقديم الطلب حيث تبلغ قيمتها 2500 درهم للنساء و3000 درهم للرجال مع الحفاظ على السرية التامة للمعلومات الشخصية للمتقدمين لطلب الزواج لديها، وقبل عرض المعلومات تطلب من صاحبها المستندات التي تثبت صحتها.

وذكرت أن الخطّابات من ذوات السمعة الطيبة بالمجتمع أصبحن اليوم وسيلة آمنة للتعارف، في وقت انتشرت فيه المواقع الإلكترونية والتطبيقات الذكية للتعارف والتي لا رقابة عليها، مطالبة الجهات والوزارات المعنية بالدولة بتطبيق قانون لترخيص الحسابات الخاصة بمزاولة مهنة الخطّابة وتكثيف الرقابة على هذه الحسابات وإغلاق غير المرخص منها ومخالفة أصحابها بفرض غرامات مالية عليهم.

وذكرت أن النساء يمثلن نسبة 75% من إجمالي المتقدمين لطلبات الزواج، وتراوح أعمارهن بين 27 و48 عاماً، بينهن أرامل ومطلقات.



مواصفات مطلوبة

أما مواصفات الزوج فتأتي الجنسية الخليجية بالدرجة الأولى ومن ثم يكون «مقتدراً مالياً» ولديه سكن خاص، وتوجد من بين أصحاب الطلبات من لا تمانع في أن تكون زوجة ثانية، لافتة إلى أن خدماتها تقتصر على الرجال الخليجيين، أما المقيمون فترفض استقبال طلباتهم لعدم وجود طلب عليهم من النساء في المجتمع المحلي أو الخليجي.

وأضافت «أما طلبات الرجال فتتعلق بالحصول على زوجة ذات مستوى تعليمي عالٍ وتجيد فنون الطبخ وأن تكون من أسرة ذات سمعة طيبة».

تجارب فاشلة

وأوضحت السيدة (س.م) أنها تبحث عن عريس لابنتها الثلاثينية، بسبب قلة الفرص وعدم قدرتها على زيارة بلدها الأصلي باستمرار، مشيرة إلى أن ابنتها قليلة الخروج من المنزل، كما أن عدم وجود أقارب لهم في الدولة، جعل زواجها أكثر صعوبة.

وقالت: «وجود مكاتب مرخصة للزواج أمر ضروري في هذا الوقت خاصة للأشخاص الذين يبحثون عن الستر والأخلاق والعيش الكريم في شريك الحياة وليس الشكل والمنصب والمصالح.. وكثير من الشباب لا يزالون دون زواج بسبب صعوبة الحصول على شريك مناسب»، وأضافت «اشتركت في مجموعة للتواصل عبر (فيسبوك) وتابعت الطلبات التي كانت جميعها شكلية مثل فتاة بيضاء طويلة شقراء.. إلى جانب حصر المواصفات المطلوبة في أن تكون الفتاة موظفة أو صيدلانية أو مهندسة دون أي التفات للشخصية أو الأخلاق»، معلقة: «يعني الفتيات غير الموظفات اللاتي يتمتعن بمواصفات عادية لا نصيب لهن إلا العنوسة؟».

ومن جانبها أفادت السيدة أم عمار وهي من جنسية عربية بأنها حاولت إيجاد عروس لابنها عبر صفحات التواصل الاجتماعي، بإرفاق صورة لابنها وسيرته الذاتية ومواصفاته، وذلك لتعذر زواجه بعد انفصاله عن زوجته التي تخلت عن حضانة طفليه، موضحة أنها سردت القصة كاملة وأوضحت أنها لا تقوى على رعايته وأبنائه بسبب تقدمها في السن، وبحاجة لـ«بنت حلال» تقبل بالسكن معها وتربية الأولاد، لتفاجأ بموجة من التنمر في التعليقات وازدراء الفتيات لهذه الطريقة.

وأشارت إلى أنه لا سبيل للشاب الذي يمر بظروف كهذه ويريد الزواج لأن يتعرف على فتاة تعجبه ويعجبها وتقبل بنفس الوقت بهذه المسؤوليات، وأردفت أن فتيات اليوم يرفضن هذه المواصفات سماعياً قبل التعرف على الشاب وشخصيته وأسرته، في حين هناك فتيات لا يعملن ولم يأت نصيبهن بعد ويرغبن في الزواج ويقبلن بهذه الظروف، لكن لا يمكن الوصول إليهن بالطرق التقليدية خاصة في ظل الظروف الحالية وبوجود جاليات مختلفة، لذا رأت أن وجود مكاتب تزويج هو حل أمثل حتى تكون الطلبات سرية فتتشجع الفتيات على توفير معلوماتهن من طالبات الزواج.

تلصص وجمع بيانات

وحذرت الجهات الأمنية بإمارة الشارقة من التعامل مع «الخطّابات الإلكترونيات» إلا بعد التأكد من وجود ترخيص لديهن من قبل الجهات المعنية، تجنباً للوقوع ضحية لعمليات نصب بأشكالها المختلفة، أو في حال اكتشاف أن من يدير هذه الحسابات رجال وليس نساء، فيعملون على ابتزاز الفتيات بعدما حصلوا على بياناتهن وصورهن، لافتة إلى صعوبة تتبع الحسابات غير المرخصة.

وأشارت إلى أن معدل البلاغات المقدمة ضد أصحاب حسابات وهمية تُعرض بأسماء خطّابات أو بسبب التعرض للنصب والاحتيال من خطاّبات، لا تقل سنوياً عن 25 بلاغاً، ويتم حجب الحسابات أو المواقع ومعاقبة أصحابها بغرامة 250 ألف درهم وأكثر لأصحاب الحسابات الوهمية، طبقاً للمادة 11 من قانون مكافحة تقنية المعلومات رقم 5 لسنة 2012.

وينص القانون على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة واحدة، والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم، ولا تتجاوز مليون درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استولى لنفسه أو لغيره بغير حق، على مال منقول أو منفعة أو على سند أو توقيع هذا السند، وذلك بالاستعانة بأي طريقة احتيالية، أو باتخاذ اسم كاذب، أو انتحال صفة غير صحيحة عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو نظام معلومات إلكتروني، أو إحدى وسائل تقنية المعلومات».

وشددت الجهات الأمنية على ضرورة عدم التعامل مع هذه الحسابات التي تكون في الواقع تحمل مسمى خطّابات وهميات، ويكون خلفها في معظم الحالات رجال هدفهم التلصص على معلومات النساء الراغبات في الزواج أو حتى الاطلاع على صورهن، مع استغلال الرجال الراغبين في الزواج عبر تحصيل مبالغ مالية منهم عن طريق التحويل البنكي ثم ما يلبث هذا الحساب أن يلغى.

عشوائية وفوضى

من جانبه، أكد رئيس المجلس الاستشاري الأسري بدبي الدكتور خليفة المحرزي، أن هذا النشاط أضحى تجارياً بحتاً، والهدف الرئيسي منه هو تحقيق الربح المادي، وفي الوقت ذاته تسيطر عليه العشوائية والفوضى، بسبب عدم تأكد من يزاولون مهنة «الخطّابة الإلكترونية» من صحة المعلومات الخاصة بالمتقدمين لطلب الزواج.

وبحسب المحرزي، تُبين المؤشرات الموجودة عن هذه الظاهرة أن معظم علاقات الزواج التي تنتج عنها تكون غير مستقرة ولا تخضع لمعايير التوافق بين الطرفين، فتكون النتيجة الحتمية هي الطلاق، إذ إن النسبة الأكبر من الرجال المتقدمين لطلبات الزواج عبر «الخطّابات الإلكترونيات» يكون هدفهم هو الزواج السري من أخرى، فيسعون لعدم تصديق عقود الزواج في المحاكم فيصنف الزواج بـ«العرفي».

وأشار إلى أن وجود حسابات لـ«خطّابات» على مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح مدعاة لوجود أشكال زواج مختلفة، مثل المسيار والمتعة، في حين أن أكثر النساء إقبالاً على هذه المواقع هن المطلقات والأرامل ومن تجاوزن العقد الرابع من أعمارهن دون أن يحظين بفرصة زواج.