الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

أولياء أمور يطالبون بدعم نفسي للدارسين «عن بعد».. و«التربية» استراتيجية لزيادة المرشدين

طالب أولياء أمور وطلبة واختصاصيون، الجهات التعليمية المختلفة بتخصيص أوقات لدعم طلبة التعليم عن بعد نفسياً واجتماعياً، إضافة إلى تكثيف وجود الاختصاصيين داخل المدارس، لما له من تأثير كبير على الصحة النفسية وبناء شخصية الطلبة المتكاملة.

بدورها، أكدت وزارة التربية والتعليم إعداد استراتيجية شاملة لزيادة أعداد الاختصاصيين النفسيين والتربويين والمهنيين في مدارس الدولة، تتضمن محاورها فتح مسارات للتخصصات النفسية والمهنية في جامعات الدولة، والاستعانة بأصحاب الخبرة من المتقاعدين لسد العجز في بعض المدارس.

وأكد معنيون بالشأن التربوي تعاظم الحاجة إلى مرشدين نفسيين، ليس فقط في الفصول المدرسية، بل للتواصل مع الطلبة الذين يدرسون عن بعد أيضاً، والذين قد تتسبب فترة انقطاعهم عن المدرسة وتلقيهم التعليم في المنزل في بروز مشكلات نفسية، كالعزلة والانطواء وقلة التفاعل والضجر، ما قد يؤدي إلى الاكتئاب.

وأشار مسؤولون في مركز الدعم الاجتماعي بشرطة أبوظبي إلى تلقي اتصالات مكثفة حول سلوك الطلبة الذين يدرسون بنظام التعليم عن بعد من أولياء أمورهم خلال جائحة كورونا.


آراء أولياء الأمور

قال بسيوني دويدار، ولي أمر، إن الطلبة، سواء في نظام التعليم المدرسي المباشر أو التعليم عن بعد، بحاجة ملحة إلى متخصص نفسي في هذه المرحلة الحرجة لتذليل العقبات وإزاحة الضغوط عن كاهل الأبناء، وبالتالي الأسر.



وأضاف: في ظل تعامل الطلبة معظم الأوقات مع أجهزة الحواسيب دون الاحتكاك بنظرائهم، تتشكل لديهم ضغوطات قد تتطور إلى أمراض نفسية، ما يستدعي وجود جلسات مع مرشد نفسي معتمد لإزاحة تلك المخاوف والاضطرابات التي قد تؤثر على شخصية الطالب مستقبلاً.

ورأت منى خميس ولية أمر أن الطلبة الذين يتبعون نظام التعليم «أونلاين» لم يعتادوا على هذا النوع من التعلم لفترة طويلة، ما يجعل دور الاختصاصي النفسي مطلوباً، ليس للسيطرة على بعض الشعور السلبي الذي يصيب بعض الطلبة فحسب، بل لتحصينهم أيضاً من سيطرة تلك مشاعر سلبية عليهم، لا تقتصر على العزلة والقلق والاضطرابات أو بداية الدخول في اكتئاب.

وأشارت إلى أن التعليم عن بعد مبني على الوسائل التكنولوجية، إضافة إلى اعتماد الطلبة على تلك الوسائل أيضاً في التسلية والترفيه، والنتيجة أن الطالب يجلس ساعات طويلة تتخطى العشرة أمام الأجهزة الذكية، وهو أمر قد يؤثر نفسياً عليه ويشعره بالعزلة عن المجتمع.

من ناحيتها، ذكرت سعاد عبدالله أن الطلبة يحتاجون إلى حصص أسبوعية في الدعم النفسي من مرشدين معتمدين، لافتة إلى أهمية أن تهتم المدارس بالجانب النفسي والاجتماعي كجزء أساسي من عملية بناء شخصية الطفل.

والتقت الرؤية عدداً من الطلبة في مراحل تعليمية مختلفة أكدوا أن التعليم المدرسي المباشر كان له تأثير كبير على سعادتهم اليومية في مقابل الرتابة اليومية للتعليم عن بعد والذي يشعرهم في بعض الأحيان بالضجر.

ولم يستطع الطلبة، الذين فضلوا عدم ذكر أسمائهم، تحديد ما إذا كان الأمر يحتاج إلى التحدث إلى اختصاصي نفسي أو إلى تغيير الروتين اليومي لحياتهم في ظل الدراسة عن بعد، والتي تستمر لنحو 5 ساعات يومياً تقريباً، ثم تأتي الواجبات المدرسية وحتى ممارسة الترفيه عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة.

استراتيجية شاملة

من جهتها، كشفت وزارة التربية والتعليم عن إعدادها استراتيجية شاملة لزيادة أعداد الاختصاصيين النفسيين والتربويين والمهنيين في مدارس الدولة، مشيرة إلى أن الاستراتيجية تتضمن محاور منها فتح مسارات للتخصصات النفسية والمهنية في جامعات الدولة والاستعانة بأصحاب الخبرة من المتقاعدين لسد العجز.

وأوضح مصدر في الوزارة أن بناء شخصية الطالب محور ضروري وأساسي في منظومة التعليم، لافتاً إلى الانتهاء من إعداد منظومة متكاملة للإرشاد الطلابي وهي الآن تخضع للتقييم من بيوت خبرة متخصصة لتطويرها ومن ثم اعتمادها.

ولفت الوزارة إلى أن هناك نقص فعلي في أعداد المتخصصين المعتمدين في المدارس، ما دفع إلى الاتفاق مع جامعتين محليتين لاستحداث مسارات متخصصة في التأهيل النفسي والتربوي والمهني لسد العجز في هذا المجال الحيوي، موضحة أن الطريقة الصحيحة لمجابهة العجز هي المسار التعليمي والتأهيلي للمتخصصين من المواطنين.

وبينت أنه يجري التعاون مع المتقاعدين الحكوميين من أصحاب التخصص لتلبية الحاجة لخبرتهم، سواء من خلال العمل التطوعي أو المكافآت الشهرية، إلى حين إعداد المزيد من المختصين المؤهلين أكاديمياً.

استفسارات من الأهالي

بدورها، قالت المستشارة الأسرية والمدربة في الشؤون الأسرية وتربية الأبناء في قيادة شرطة أبوظبي موزه القبيسي، إن مركز الدعم الاجتماعي تلقى خلال جائحة كورونا اتصالات مكثفة مقارنة بفترة ما قبل كورونا من أولياء أمور يستفسرون عن طرق الإرشاد النفسي والاجتماعي لأبنائهم الذين اختاروا نظام التعليم عن بعد بسبب احتكاكهم الدائم بالأجهزة الذكية سواء أثناء التعلم أو الترفيه.



ولفتت إلى أن مرشدي الدعم الاجتماعي في شرطة أبوظبي قدموا استشاراتهم للأولياء الأمور حول مشكلات نفسية واجتماعية مثل القلق وعدم توافق الطلبة مع الظروف الحالية ومشكلات الإنترنت مثل التنمر الإلكتروني والتحرش وقرصنة المعلومات والروتين اليومي للطلبة والضجر وغيرها من المشكلات.

وأشارت القبيسي إلى أهمية تواجد مرشدين نفسيين واجتماعيين يساعدون الطلبة في الوقت الحالي بعد أن طالت مدة الجائحة وطال معها بقاء الطلبة في منازلهم لمدة تقارب العام، لافتة إلى أن دور المرشدين يساعد في تجاوز الطلبة لمشكلات نفسية نتجت عن عدم ذهابهم للمدرسة وتغير حياتهم الاجتماعية وصداقاتهم مع نظرائهم وغياب الأنشطة اللاصفية، ما قد ينجم عنها مشكلات نفسية مثل الانطواء وقلة التفاعل والضجر والاكتئاب وغيرها.

وبينت أن بعض الطلبة يكون لديهم مشكلات أسرية بالأساس، ما يجعل المشكلات النفسية المستحدثة جراء الجائحة تتفاقم بشكل أكبر من خلال الجلوس على الأجهزة الإلكترونية لأوقات طويلة، مضيفة أن الطالب هو كائن اجتماعي بطبعه ولا يمكنه التعايش مع الأجهزة لوقت طويل يومياً.

سلوكيات سلبية

من جانبها، قالت اختصاصي العلاقات الأسرية سارا طاهر السقاف، إن هناك ضرورة لزيادة عدد وتوفير اختصاصي نفسي في كل مدرسة، وتعد هذه الزيادة من أهم المتطلبات المدرسية، ولا سيما خلال جائحة كوفيد-19، وذلك للمساعد في ضبط سلوكيات الطلبة، ومعالجة الظواهر السلبية التي تحدث من حين لآخر داخل المدرسة أو خلال فترة التعلم عن بعد.



وبينت أن هذه الأزمة أفرزت الكثير من الانحرافات السلوكية النفسية للطلاب وذلك لإحساس الطلاب نفسياً أنه متخفٍّ وراء شاشة ولا يستطيع الطرف الآخر معرفة هويته، فينتج عن ذلك سلوكيات سلبية أو غير متوقعة من الطلاب ذوي السلوكيات المنحرفة، أخلاقية كانت أم سلوكيه أم تعليمية.

وعن تلك السلوكيات، شرحت السقاف أن بعض الطلاب يعمدون إلى التنمر على الصوت أو التأتأه، أو السخرية من الخلفية الذي يظهر فيه الطالب في الشاشة عند فتح الكامير أثناء حصص التعليم عن بعد، فضلاً عن الانحراف التعليمي، مثل مسالة الغش الذي يعد من أخطر المشكلات التي لوحظت وتستدعي اتخاذ إجراءات خاصة من الوزارة.

وأبانت أن الحاجة إلى اختصاصي نفسي في النسيج المدرسي تنبع مما يلعبه من دور مهم في دراسة حالات الطلاب المتأخرين دراسياً وتشخيص وتقويم حالات التخلف العقلي وحالات اضطراب الكلام التي لا تعود لأسباب عضوية، ويقوم بتشخيص الاضطرابات الانفعالية وتحويلها إلى الإرشاد النفسي أو الجهات المسؤولة لتلقي العلاج المختص.

انعكاسات خطيرة

من ناحيته، قال الباحث والاستشاري التربوي الاجتماعي الدكتور إبراهيم عبدالحميد مصطفى، إنه في ظل انتشار جائحة كورونا واتجاه المدارس للتعليم عن بعد وجلوس الطلبة في منازلهم لفترات طويلة، تتفاقم الحاجة الملحة في المدارس إلى زيادة عدد للاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين نظراً للحالة النفسية والمزاجية السيئة التي يشعر بها الطلبة، من عزلة وانطواء، بسبب عدم ممارستهم نشاطهم البدني والجسمي المعتاد، إضافة إلى لجوء معظم الأطفال والمراهقين إلى العالم الافتراضي وابتعادهم عن العلاقات الحقيقية الطبيعية، ما يعقّد المشكلات التي يعانون منها أكثر، ويؤدي إلى انعكاسات سلبية خطيرة على شخصية الطالب وأدائه الأكاديمي في الحاضر والمستقبل.



وأضاف: هنا يكمن الدور المهم للاختصاصي النفسي والاجتماعي في التواصل مع الطلبة والتقرب منهم والغوص في أعماقهم والتعرف على ما يعانون منه من مشكلات نفسية واجتماعية ومساعدتهم في التغلب عليها، من خلال المتابعة والتوجيه والإرشاد وزيادة الثقة بالنفس وتقوية الدافعية للتعلم لديهم.

معالجة آثار التغييرات

ورأت أستاذ العلوم النفسية المساعد في إحدى الجامعات الدكتورة رغد صاوي، إن فيروس كورونا تسبب في تغييرات نفسية على الطلبة، ما يجعل المدارس في حاجة أكبر إلى خبراء نفسيين، سواء في المدارس أو من خلال تخصيص أوقات في نظام التعليم عن بعد، لمعالجة آثار تلك التغييرات، كجزء من بناء الشخصية المتكاملة للطلبة.



وأضافت أن القلق والاكتئاب والخوف أمراض نفسية قد تصيب الطلبة في هذه الظروف، وتؤثر على مشاعرهم وطريقة تعبيرهم عن أنفسهم، وهذا يستلزم تكثيف تواجد المرشد النفسي.

وأشارت صاوي إلى أن حلقات الإرشاد النفسي تكون بمنزلة الوسيط بين ما تعمل عليه المدرسة من إجراءات احترازية وتوعية للطلبة من فيروس كوفيد-19 وبين مخاوف الأسر من احتمالية الإصابة بالفيروس، حيث إن توفير مرشد نفسي يساعد على معالجة الاضطرابات التي قد تطرأ على الطلبة في الفترة الحالية.