الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

ذكاء اصطناعي وإرشادات.. الإمارات تدعم الاستزراع السمكي بخدمات إلكترونية

تولي دولة الإمارات مشاريع استزراع الأحياء المائية أهمية كبيرة من أجل تطوير وتعزيز مخزونها السمكي، وذلك تشجيع ودعم الصيادين والمزارعين للدخول بهذا المجال، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي والخدمات الإلكترونية في ترخيص وتشغيل المزارع السمكية، وتوفير وتقديم الخدمات الإرشادية والبيطرية للمزارع المرخصة والمستثمرين الجدد، وأيضاً عبر إطلاق سياسة لاستدامة استزراع الأحياء المائية، حيث توجد بالدولة 14 مزرعة سمكية مسجلة لدى وزارة التغير المناخي والبيئة، بلغ إنتاجها 3223 طناً عام 2019.

وطورت وزارة التغير المناخي والبيئة أنظمة الخدمات التي تقدمها للمتعاملين المتعلقة بمزارع الأحياء المائية، والتي تشمل حزمة خدمات ذكية وإلكترونية لترخيص المزارع، واستيراد غذائها وأمهات ويرقات الأسماك، وتصدير الأسماك المحلية، والإفراج المحجري، لتعزيز استمرارية ومرونة تقديم الخدمات وفق قياس زمني قصير، للحصول على الشهادات الخاصة بهذه الخدمات.

وتقول الوزارة لـ«الرؤية»، إن تحديد واختيار مواقع الحاضنات يعود للسلطة المحلية في كل إمارة، بالتنسيق والتشاور مع الوزارة، لافتة إلى أن المزارع السمكية في أبوظبي عددها 6 مزارع، وبالفجيرة 4، ورأس الخيمة مزرعتان، وفي دبي والشارقة مزرعة واحدة بكل إمارة.



إجراءات تشجيعية

بدوره، كشف مدير إدارة الأبحاث البحرية بالوزارة أحمد الزعابي، أنها تشجع الصيادين والمزارعين على الدخول في مجال الاستزراع السمكي، بدعمهم بالأسماك المنتِجة، إضافة إلى نشر هذه المعرفة من خلال الدورات التدريبية لجهات مختلفة بالدولة، وعلى النطاق الإقليمي.

وأضاف أنها أنتجت أنواعاً من الأحياء المائية مثل القشريات كربيان النمر الأخضر والربيان الأبيض، إضافة إلى التجارب على إنتاج أنواع من أسماك المياه العذبة، كالبلطي الأحمر والنيلي وبعض أسماك الزينة، مشيراً إلى أن النظام المغلق في الاستزراع السمكي هو الأكثر استخداماً بمزارع الدولة بنسبة 50%، ويتميز باستخدام التقنيات الحديثة، والكثافة العالية في وحدة الإنتاج، إضافة إلى التحكم بمواصفات الماء وتدويرها، أما «النظام المفتوح» فيستخدم في الأقفاص الشبكية والأحواض الساحلية.

وقال الزعابي إن إنتاج المزارع متنوع من أسماك السيبريم والهامور والربيان والمحار والسلمون، وأن أغلبها تستهدف البيع بالسوق المحلي، إلا أن بعض المزارع بصدد تصدير منتجاتها للخارج، كالربيان والمحار، حيث أجاز القانون الاتحادي لمزارع الأحياء المائية تصدير منتجاتها.



سياسة مستدامة

وكانت هيئة البيئة - أبوظبي أطلقت عام 2019، «سياسة الاستزراع المستدام للأحياء المائية لإمارة أبوظبي»، حيث قامت بإعدادها الهيئة بالتعاون مع الجهات المعنية على المستويين الوطني والمحلي، وتهدف السياسة إلى وضع رؤية لتعزيز النمو في قطاع استزراع الأحياء المائية بالإمارة، وإتاحة فرصة للتنافسية لتوفير مأكولات بحرية باستخدام تقنيات مستدامة، تخفف من الضغط على المخزون السمكي الذي يتعرض لاستغلال مفرط، لأن هناك 13 نوعاً من الأسماك التجارية على الأقل يتم صيدها بمستويات تفوق حدود الاستدامة.

خدمات بيطرية

من جانبها، أفادت هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية، بأن عدد مزارع الاستزراع السمكي في إمارة أبوظبي يصل إلى 14 مزرعة مرخصة، ويتجاوز إنتاجها السنوي 1000 طن من الأنواع المختلفة.

وأوضحت أنها تقدم الخدمات الإرشادية، والصحية البيطرية للمزارع المرخصة، مشيرة إلى أنه بالنسبة للمستثمرين الجدد يمكن للهيئة توفير الأراضي من مجموعة أراضيها أو عن طريق التنسيق مع الجهات المختصة لتخصيص أراضٍ، كما تقدم الهيئة المشورة الفنية حول دراسات جدوى المشاريع.



نظام «الأكوابونيك»

من جانبه، يروي المواطن عبدالرحمن الشامسي الذي يمتلك مزرعة للأسماك بمنطقة العراد في مدينة العين، قصته التي بدأت قبل 9 سنوات في الاستزراع السمكي بالطريقة البدائية، والتي كانت تعتمد على الأحواض المكشوفة وتعتبر أقل جدوى في العائد المادي وأكثر هدراً للمياه المستخدمة والتي تعتبر محدودة بالأساس.

وقال: «استطعت عبر تطوير نظام «الأكوابونيك» المعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي، تحديد كميات التسميد للشتلات وجدوى التسميد وقياس قدرة مضخات المياه التي تحتاج إليها المزارع السمكية، إضافة إلى قياس تناسبية كميات المياه المستخدمة في الاستزراع والتحكم في درجات تبريد المياه».

ولفت الشامسي إلى أن طريقته المبتكرة تعتمد على إدخال فلترات بيولوجية لأحواض السمك، للاستفادة من مخلفات المزرعة السمكية في تسميد الخضراوات الأخرى في المزرعة، إضافة إلى قدرته على توفير المياه المستخدمة في عمليات الاستزراع إلى 56 ضعفاً.

وأوضح أن كل حوض يحتوي على 40 - 50 ألف سمكة، لتبلغ كميات الأسماك المباعة من مزرعته شهرياً نحو 2800 كلغ شهرياً، أي ما يتخطى 31 طناً سنوياً.

وعن التسويق، يقول الشامسي إنه نظراً للشهرة الواسعة التي حظيت بها المزرعة، فإن التجار يأتون إليها للحصول على احتياجاتهم دون تحمل أي أعباء تسويقية.



معهد تدريب

ونوه بأنه بصدد إنشاء معهد خيري للتعلم والتدريب على الطرق الحديثة للاستزراع السمكي، بالتعاون مع إحدى المنظمات المتخصصة في هذا المجال، وبتمويل أحد المصارف، وذلك بهدف استقطاب المختصين والمهتمين بالاستزراع السمكي، وتثقيفهم بالطرق الجديدة التي توفر على المزارع النفقات، لتكون مجدية اقتصادياً وفي الوقت ذاته صديقة للبيئة.

وأشار الشامسي إلى أن المعهد المزمع إنشاؤه فور الانتهاء من جائحة كورونا، سيقدم التدريب بأربع لغات عالمية هي: العربية والإنجليزية والألمانية والأوردو، مبيناً أن الاستزراع السمكي كان هاجساً يراوده منذ سنوات طويلة، لكنه أعد له وتسلح بالبحث والمعرفة، وانطلق معتمداً على قدراته الذاتية وتجاربه عبر المواد المتوافرة في المزرعة، منطلقاً من تربية أسماك (البلطي) التي تتحمل الظروف المناخية كارتفاع درجات الحرارة، حيث تبلغ معدلات نفوقه واحداً في الألف.

مزارع متكاملة

وبيّن أن المنطقة تضم أكثر من 25 مزرعة للإنتاج السمكي والخضراوات بمعنى المزارع المتكاملة أو ما تسمى بـ«الأكوابونيك»، وهي عبارة عن زراعة تكاملية بين النبات والأسماك معاً، معتمدين على مخلفات الأسماك في تغذية النبات، والعكس بتغذية الأسماك عبر أحواض لإنتاج الطحالب عبر مياه الأسماك، بحيث تُضخ المياه العذبة التي تنتج من ماكينات مخصصة لتحلية المياه في أحواض الأسماك، وعبر قنوات لنقل المياه إلى أحواض الطحالب المائية التي تحتوي على 40% بروتين كغذاء للأسماك.

وأوضح الشامسي أن الاستزراع السمكي يحتاج إلى خبرة ودراية للتغلب على مختلف العوائق، حيث كانت ملوحة المياه البالغة 8 آلاف وحدة عائقاً في البداية، إلا أنه تم التغلب باستزراع علف العديس لتغذية الأسماك، والذي يحول علف الأسماك وفضلاتها إلى بديل ناجح، أسهم في تحسين الإنتاج وتجويده من مختلف المزروعات.



جهود شبابية

التجربة نفسها خاضها المهندس الشاب حميد أحمد الجحوشي، من خلال امتلاكه 6 أحواض سمكية كبيرة تنتج حوالي 30 طناً سنوياً، لافتاً إلى أن المزارع السمكية تشكل مصدر ربح جيداً في حالة الاعتناء بها بشكل صحيح، حيث يستطيع المستثمر بهذا المجال تغطية تكاليف الإنشاء والربح خلال فترة وجيزة.

الجحوشي الذي تخرج في جامعة الإمارات تخصص هندسة ميكانيكية، أنشأ مزرعة في وسط الصحراء مساحتها 200 × 200م، تنتج 30 طناً سنوياً من سمك البلطي في المياه العذبة، وكان شغوفاً بتربية الأسماك منذ عام 2013، وهو العام الأول له في الاستزراع السمكي، حيث حقق نجاح أول دورة سمكية امتدت لـ6 أشهر، معتمداً على قدراته الذاتية وأبحاثه العلمية.

وأوضح أنه استطاع استحداث نظام تسميد الأراضي من مخلفات الأحواض السمكية، إذ يستغل مياه الأحواض في تغذية النخيل في الحقول المكشوفة، ما جعله يحقق نتائج مشجعة بالزراعة العضوية، لا سيما في الخضراوات والنخيل حيث تنتقل مياه أحواض السمك إلى الحقل مباشرة لري النخيل.

يقول الجحوشي أنه واجه بعض التحديات ومنها نقص الخبرة في بداية المشروع، لكن بالممارسة والدراسة المتأنية للمشكلات وحلولها يستطيع المزارع أن يصقل خبراته ويبتكر حلولاً للمشكلات التي تعترضه.



طموح وتوسع

تجربة أخرى يرويها المواطن حمدان الكعبي، الذي بدأ العمل في مجال الاستزراع السمكي منذ 15 عاماً بالاعتماد على زراعة سمك البلطي الأحمر، والذي يتناسب مع طبيعة البيئة الصحراوية، إلا أنه يعكف حالياً على دراسة لإضافة أنواع جديدة من السمك وهي الهامور والسبريم وسمكة مبروك.

وأشار إلى أنه انتهى من مرحلة الاستزراع البدائي التي تعتمد على أحواض مكشوفة عادية، وبدأ في استقطاب مهندسين زراعيين ومختصين في تطوير المزارع السمكية من أجل التحول إلى أنظمة ذكية لإدارة مزرعته، موضحاً أن الخبرة والاعتماد على المتخصصين يعتبران تحدياً في بداية المشروع، لا سيما أن الكلفة تكون كبيرة على المستثمر في بداياته.



ونوه الكعبي، الذي تضم مزرعته عشرات العمالة في المجال الفني والتقني، بأن الاستزراع السمكي يحتاج إلى خبرة ودراية للتغلب على مختلف العوائق، خاصة مشكلة ملوحة المياه البالغة وأيضاً كيفية اختيار الأنواع الأنسب للبيئة التي تقام فيها المزرعة.

إدارة ذكية

من جانبه، أكد الرئيس التنفيذي لمزرعة فيش فارم في دبي، بدر بن مبارك، أن المزرعة تمتلك 5 محطات معالجة لنحو 5 أصناف من الأسماك، محطتين للسالمون و3 للأصناف الأخرى مثل: الحمام الياباني، والسيباس والسوبريم والهامور السنغافوري، لافتاً إلى استخدام المياه المالحة في البر والبحر، فيما تستخدم المياه العذبة لنوع واحد هو السالمون، الذي ينتقل بعد فترة إلى المياه المالحة أيضاً.



وأشار إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في عمليات إدارة المزارع السمكية، عن طريق محطة المعاجلة الرئيسية التي تهيء استزراع أي نوع أسماك في العالم، باستنساخ البيئة الطبيعية للأسماك، ومحاكاة الغروب والشروق والمد والجزر والتيارات البحرية الأخرى.

وأوضح أن مزرعته تستخدم نظاماً ذكياً في كل المحطات لتهيئة المناخ المطلوب، من حيث درجة الحرارة والملوحة والحموضة، ويبرمج عبر النظام ليعطي كافة المتطلبات، ما يوفر الطاقة والجهد للقيام بهذا العمل، كما تتم مراقبة الاستزراع السمكي، فالحوض يحتوي على كاميرات 360 درجة، ومباشرة تصل رسالة عند حدوث مشكلة تصيب النظام بأي منطقة من المزرعة.



مزرعة خضراء

وقال بن مبارك إن الطاقة الإنتاجية لمزرعته تبلغ 5000 طن في العام، منوها بأنه يطمح لتغطية الاستهلاك المحلي كاملاً، مشيراً إلى توزيع منتجات المزرعة حالياً على كافة المتاجر الكبيرة المتواجدة في الدولة، كما يتم ترويج المنتجات عبر الإنترنت للأفراد، ذاكراً أن أهم ما يتطلعون لتحقيقه أن تكون المزرعة خضراء تماماً، أي تعمل بالطاقة الشمسية.