السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

اللواء طيار متقاعد أنس المطروشي: لا صداقات في العمل.. وأنا صديقي نفسي

اللواء طيار متقاعد أنس المطروشي: لا صداقات في العمل.. وأنا صديقي نفسي

أنس المطروشي.

لم يكن عالم الطيران بالنسبة له مجرد مهنة أو وظيفة، بل عشق وهواية وسحر متغلغل في كل تفاصيل حياته، وكان أقصى ما تصبو إليه نفسه، وهو طفل، أن يكون طياراً، وتمكن بعد مرور الزمن من تحقيق حلمه وتجاوزه، فأصبح مدرباً يُخرج أجيال المستقبل في شرطة دبي، معتمداً على تصميمه وعزيمته ودعم قيادته.. إنه اللواء طيار متقاعد أنس المطروشي.

المطروشي فتح قلبه في حوار مع «الرؤية»، سارداً كيف عاش وترعرع في كنف أسرة محافظة كانت تقطن في منطقة الراس «سوق الذهب حالياً»، قبل التنقل بين أحياء أخرى، وتذكّر محلاً لبيع الحلويات العمانية أمام منزلهم الأول، ويعتقد أنه لا يزال قائماً حتى الآن.

ولفت إلى أنه صديق نفسه، وأنه لم يكن له صداقات في العمل، بل زملاء. وهو لا يحب صداقات العمل التي تنتهي عند مغادرة للمكان.

- كيف كانت طفولتك وشبابك؟

كانت طفولة سعيدة مع 4 أشقاء: 3 أخوة وأخت.

بدأت حياتي الدراسية في المعهد الديني، ثم استكملت الدراسة في مدرسة عمر بن الخطاب ومن ثم ثانوية دبي.

وفي الشباب، كنت معجباً جداً بالحياة العسكرية وتمنيت أن أصبح طياراً عندما كان أشاهد طائرات الهليوكوبتر تنقل الموظفين لحقول النفط، كما كنت أجلس على شاطئ البحر مراقباً حركة الطائرات، محدقاً فيها إلى أن تختفي، راسماً في مخيلتي المستقبل القادم، إلى أن جاءت الفرصة لتحقيق الحلم بعد الحصول على شهادة الثانوية العامة.



متى كانت بدايتك في عالم الطيران؟

تقدمت بأوراقي لشرطة دبي بعد أن قرأت إعلاناً لتوظيف طيارين في الشرطة عام 1978، والتحقت بدورة مرشحين وتخرجت مع 3 من الزملاء، فدخلت في دورة طيران، وكان معي المرحوم المقدم المتقاعد باقر يونس، ثم حضرت دورة المدربين في عام 1985.

- ماذا يعني لك التحليق في الجو؟

الطيران بالنسبة لي ليس مهنة أو وظيفة، بل عشق وهواية، وهو متغلغل في كل تفاصيل حياتي، ولذلك تمكنت من تحقيق المراتب الأولى في دفعتي.

وما زالت لي صورة مع المقدم باقر، رحمه الله، في متحف شرطة دبي، توثق أول دورة طيارين هليوكوبتر في شرطة دبي عام 1981.



- هلّا وصفت لنا ذكريات الرحلة الأولى لك كطيار..

أول مرة طرت فيها، كانت مع مدرب خبير أثناء التدريب، وهي أول مرة لي في عالم الطيران، يومها شعرت أنني في عالم جديد وكان إحساسي غريباً.

وكنت أتساءل لماذا أنا هنا؟ ماذا أفعل؟ ولكني تعودت لاحقاً مع الوقت، وعرفت أن كل شيء يتم بالممارسة وحب العمل والتصميم على النجاح.

تخرجت في الدورة برتبة مرشح طيران، وبعد 3 سنوات ترقيت إلى رتبة ملازم، وكانت أول رحلة فردية لي بتاريخ 10 أكتوبر 1979، كنت متوجهاً إلى أبوظبي، وقد استغرقت الرحلة نحو ساعة ونصف ذهاباً وإياباً.

أذكر أنني كنت أقود طائرة من نوع شيروكي pa28، وقيادة هذا النوع من الطائرات أسهل من الهليوكوبتر. كنت سعيداً جداً في عملي، وفخوراً بأنني حققت حلمي.

لاحقاً، أرسلتني شرطة دبي إلى دورة في بريطانيا لنيل رخصة طيار هليوكوبتر، وحصلت على رخصة قائد طائرة هليوكوبتر يوم 5 يونيو 1980، وعندما عدت استمر التدريب على العمليات التي نمارسها في الطيران، واستغرق التدريب 9 أشهر، بعدها بدأنا بالعمليات على مراحل، وصولاً إلى عمليات الانتقال للحوادث.



- ما الصعوبات التي واجهتكم في ذلك الوقت؟

أبرز التحديات هي الاعتماد على المهارات فقط من دون وجود وسائل مساعدة تقنية، كنا نبلَّغ بتنفيذ مهمة الطيران ولا نعرف إلى أين نذهب؟ وكنا نطير مع طيار خبير نعتمد عليه في تحديد إحداثيات الرحلة، أما اليوم باتت هناك طرق كثيرة تساعد الطيار، منها الإلكترونيات المتطورة والذكاء الاصطناعي وبات الطيران أسهل وأكثر دقة.

في تلك الأيام لم يكن تحديد المواقع (جي بي إس) متوفراً، وكنا نحسب إحداثيات المكان ونحن في الجو عبر القيام بعمليات حسابية سريعة ودقيقة، وكنت أقوم أيضاً بعملية مسح ذهني للمكان الذي سأهبط فيه، فذهن الطيار هو «كمبيوتره الشخصي»، ومن مسؤولية الطيار أيضاً تحديد مكان نزول الطائرة وهبوطها دون ارتكاب أي خطأ، مع تقدير الهواء الناتج عن الهبوط وتأثيره في المحيط، وهي جميعاً من مهارات تقيم كفاءة الطيار.

- ما أصعب أنواع التدريبات؟

كنت أخضع للتدريب على كيفية التعامل مع تعطل المحرك بالكامل في الجو، وطريقة إنزال الطائرة دون وقوع أي حادث.

كان المدرب يعطينا الثقة الكاملة للتصرف عندما كنت متدرباً، وبدوري منحتها للمتدربين على يدي لاحقاً، والذين لا يقل عددهم عن 20 طياراً خلال فترة عملي، وهم الجيل المتوفر في شرطة دبي



- كيف كانت مرحلة عملك مدرباً؟

في دورة المدربين ببريطانيا حصلت على رخصة مدرب بعد تحقيق 60 ساعة طيران تدريبي، وكنت قد جمعت سابقاً أكثر من 1000ساعة كطيار، وكان هذا الإنجاز وأنا في عمر 25 عاماً، ثم عدت وبدأت تدريب الطيارين الشباب في شرطة دبي.

ومن هنا أؤكد الدور الكبير للشباب في عملية البناء، وأشدد على أنه من غير المقبول النظر لجيل الشباب بأقل ما يستحقونه، وهم اليوم قادرون على تحقيق إنجازات عظيمة في ظل توفر ممكنات النجاح ودعم القيادة لهم.

- ماذا عن تدرجك الوظيفي والمهام التي عهدت إليك؟

عملت مديراً للجناح الجوي في شرطة دبي منذ 2003 حتى 2006، حينما نُقلت للعمل كنائب مدير العمليات لشؤون النقل والإنقاذ، وفي عام 2012 أصبحت مدير عام النقل والإنقاذ في شرطة دبي، وبقيت في المنصب ذاته حتى التقاعد.

كما كنت قبل التقاعد رئيس «لجنة التصرف في المركبات المحجوزة» ورئيس لجنة المناقصات والممارسات.



بالانتقال إلى مرحلة التقاعد، كيف تصفها وتتعامل معها؟

تقاعدت في يوليو 2017، فبدأت مرحلة جديدة، حيث بدأت أتفرغ لنفسي، وقررت أن أحقق الأحلام التي لم أستطع تحقيقها سابقاً، وشرعت بالسفر للبلدان التي أحبها، ومنها دول شرق آسيا، حيث الطبيعة الخلابة من بحر وجبال والحياة البسيطة، فضلاً عن أوروبا وأمريكا.

وحرصت على ممارسة هواياتي من ركوب الخيل وقيادة الدراجات النارية وممارسة الرياضات البحرية والسباحة والصيد، علاوة على «الهايكنغ» حيث أجد متعتي في ممارسة هذه الهواية بين جبال بلادي في خورفكان والفجيرة ورأس الخيمة.

ولا أنسى المحافظة على لياقتي عبر التمسك برياضة الصباح، من ممارسة المشي والجري الخفيف بمعدل 4 إلى 5 كم يومياً، وأحاول أن أقوم بأعمالي مشياً على الأقدام، وقد تصل المسافة التي أسيرها يومياً من 15 إلى 30 كم.

بدأت بعد التقاعد أعود لنمط الحياة الطبيعي بعيداً عما يعرضني للضغط والتوتر، فأحياناً أسافر فأترك الهاتف في الفندق، أو أستخدمه ككاميرا فقط.



من أصدقاؤك؟

أنا صديق نفسي، وفي العمل لم تكن لدي صداقات، ولا يوجد أصلاً أصدقاء في العمل، بل زملاء. وأنا شخصياً لا أحب صداقات العمل التي تنتهي عند مغادرتك المكان.

هل من نصيحة توجهها للأجيال القادمة؟

أقول لكل مسؤول في مقر عمله، عليك أن تؤدي أمانتك وأن تترك بصمة واضحة تدل عليك وأن تكون على علم أنه لا بد أن يأخذ مكانك شخص آخر في المستقبل، وألا تتكاسل في التخطيط للمستقبل بعد التقاعد عبر اختيار مجال عمل يشعرك بالراحة، وأنا اخترت الأعمال الحرة.

ما حلمك الذي تسعى لتحقيقه مستقبلاً؟

أحلم بأن تتاح لي الفرصة لاصطحاب أحفادي في رحلة جوية، أكون فيها قائد الطائرة، وأنتظر كي يكبروا قليلاً، ليستوعبوا ما أقوم به، حتى أترك لديهم إحساس الفخر بإنجازات جدهم.