الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

تشريعات ومبادرات إماراتية تسبق الزمن وتتصدى لتحديات التغير المناخي

تشريعات ومبادرات إماراتية تسبق الزمن وتتصدى لتحديات التغير المناخي
حققت الإمارات خلال الأعوام الماضية قفزات استثنائية سبقت الزمن في جهود الحفاظ على البيئة عبر تشريعات ومبادرات تدعم مواجهة التغير المناخي، وترتبط بالتزامات فعلية تتعلق بالعديد من المجالات للحفاظ على النظم البيئية وخفض الانبعاثات، عبر توظيف أحدث الابتكارات ودعم نظم الزراعة الحديثة والاعتماد على الطاقة النظيفة وتعزيز قدرات كافة القطاعات على التكيف مع تداعيات التغير المناخي.

وأكد لـ«الرؤية» خبراء في المجال البيئي أن الإمارات سباقة في خدمة البيئة، مشيرين إلى أن التركيز على مكافحة تلوث الماء والهواء، وما يتعلق بالتصحر وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية، وإنشاء المحميات الطبيعية، وتوظيف الطاقة المتجددة اقترن بالمشاريع التنموية التي أنشأتها الدولة، حيث سنت تشريعات موحدة، وأطلقت مبادرات قادرة على حماية البيئة والمحافظة عليها.

5 مجالات رئيسية

وأكدت الأستاذة في كليات التقنية العليا الدكتورة عائشة الشامسي، حرص المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» على ترسيخ الفلسفة البيئية، وتوفير كافة السبل لذلك، فاهتمامه الكبير بالبيئة أثر بشكل إيجابي على أفراد المجتمع حيث أثمرت هذه الفلسفة اتجاهات إيجابية اقترنت في مجالات 5 هي مكافحة تلوث الماء والهواء، والتصحر، وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية، وإنشاء المحميات الطبيعية، وتوظيف الطاقة المتجددة.




وأشارت إلى أن حماية البيئة والمحافظة على مواردها وتنميتها واستثمارها بكفاءة لضمان استدامتها هدف ألزمت فيه الإمارات نفسها حتى قبل توقيعها الاتفاقات الدولية، ولذلك نجد تفوقاً كبيراً مقارنة بدول أخرى إقليمية ودولية.

وذكر الخبير البيئي الدكتور رياض الدباغ بأن الإمارات أعلنت التزامها بالتعهدات بخفض انبعاثات الكربون في اتفاقية باريس للتغير المناخي، ما يمنحها السبق في الجهود العالمية لحماية البيئة.

وأضاف أن الإمارات أدركت مبكراً إشكالية التغير المناخي، وأطلقت وزارة خاصة بالتغير المناخي والبيئة من أجل تركيز الجهود وبناء تشريعات موحدة، وإطلاق مبادرات قادرة على حماية البيئة والمحافظة عليها.

وقال إن مسيرة العمل البيئي في الإمارات شهدت تطورات كبيرة، على مدى 50 عاماً حيث ابتدأت باللجنة العليا للبيئة في عام 1975، وعكس ذلك اهتمام المغفور له الشيخ زايد «طيب الله ثراه» بالقضايا البيئة منذ قيام الاتحاد محلياً ودولياً.



من جانبها، أكدت المهندسة فاطمة الشراري أن التأثيرات البيئية خطر يهدد الأحياء حول العالم، واهتمام دولة الإمارات لا ينفصل عن اهتمامها بمختلف نواحي الحياة، ولذلك لها السبق في مواكبة التوجهات العالمية لتكون في الصدارة البيئية.

وأضافت أن كثيراً من الدول تحاول أن تتنصل من التزاماتها، لكن الدولة تسعى لتقديم نموذج عالمي في كيفية الحفاظ على البيئة والمناخ حتى قبل الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية، لأنها مؤمنة بهذا العمل، ولذلك لا أستغرب أن نكون في الصدارة لأننا كنا سباقين للحفاظ على البيئة وما إطلاق القمر الصناعي دي إم سات 1 إلا دليلاً على توجه الإمارات لحماية البيئة باستخدام أحدث تكنولوجيا الفضاء لرصد وقياس مستويات ملوثات الهواء والغازات المسببة للاحتباس الحراري الفضائية.



نظم الزراعة

وتوظف وزارة التغير المناخي والبيئة نظم الزراعة من أجل الحفاظ على البيئة واستدامة الإنتاج، ومن التقنيات التي تستخدمها الوزارة الزراعة المغلقة العمودية، وهي نظم إنتاج محاصيل تعتمد على استخدام تكنولوجيا متطورة، بحيث تكون كافة الممارسات الزراعية مؤتمتة من حيث الري والإضاءة وعمليات التسميد بما في ذلك الحصاد، وبما يساهم في تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والطاقة ومدخلات الإنتاج، وإنتاج محاصيل طازجة ذات جودة وإنتاجية عالية وعلى مدار السنة ولا تؤثر على صحة الإنسان أو البيئة.

ويتم الآن العمل على بناء نموذج مشاهدة للزراعة المغلقة ضمن حرم مبنى الوزارة ليكون كمركز تعليمي وإرشادي للمهتمين. كما جرى إطلاق بعض المشاريع مع القطاع الخاص في هذا الشأن، حيث خصصت الوزارة قطعة أرض لإنشاء 12 مزرعة عمودية لإحدى الشركات الرائدة في المجال ليكون نموذج مشاهدة للمزارعين والمهتمين وإيجاد حلول ابتكارية لنظم الزراعة المغلقة وبما يتناسب مع الظروف المناخية للدولة وتماشياً مع النمو لهذا النوع من الإنتاج ونمو قطاع الاستثمارات الضخمة في مجال الزراعة الرأسية أو العمودية فيه في الدولة.

أما نظم الإنتاج العضوي فتعتبر نظاماً زراعياً متكاملاً يهدف إلى استدامة الإنتاج الزراعي والموارد البيئية مع المحافظة على صحة الإنسان والبيئة من خلال الاستخدام الأمثل للموارد وتدويرها ودون استخدام أي مبيدات أو أسمدة وضمن تشريعات تم تطويرها بما يتوافق مع المعايير الدولية والذي نتج عنه سوق متخصص في الدولة خاص بالمنتجات العضوية والذي ساهم أيضاً بخلق فرص عمل جديدة وسلع ذات جودة عالية تلبي احتياجات تنوع المستهلكين في الدولة حيث زاد عدد المنتجات عن 70 منتجاً عضوياً.

وتهدف الزراعة المائية (بدون تربة) كتقنية حديثة للمساهمة في المحافظة على مورد المياه المستخدم في الزراعة ورفع الإنتاجية للوحدة المستخدمة من المياه وخفض كميات الأسمدة المستخدمة والحصول على منتج يحافظ على صحة الإنسان والبيئة.

وتعزيزاً للمحافظة على البيئة واستدامتها وإنتاج محاصيل آمنة تشجع الوزارة المزارعين على تبني تقنيات الآفات الزراعية دون استخدام المبيدات الكيماوية، حيث تشمل هذه التقنيات المصائد الحشرية الضوئية باستخدام الطاقة الشمسية وكذلك استخدام المكافحة البيولوجية عن طريق إطلاق كائنات حية نافعة تقضي على الآفات الزراعية ضمن إجراءات محددة وكذلك المبيدات الطبيعية التي لا تضر بالبيئة.



الأبحاث التطبيقية

وعلى الصعيد البحثي الأكاديمي، يجري التعاون مع عدد من الجامعات لتنفيذ الأبحاث التطبيقية الزراعية كجامعة خليفة والجامعة الأمريكية في الشارقة لتنفيذ مشروع بحثي، يهدف إلى تطوير تقنيات الإنتاج المبتكرة للطحالب التي يتم جمعها من البيئة الصحراوية الإماراتية في محطات مصغرة صممت على شكل «البارجيل» التراثي ضمن حرم الوزارة، وذلك لتعزيز جهود الاستدامة في مجالات البيئة والطاقة والمناخ والإنتاج الزراعي.

وفي مجال التعاون مع القطاع الخاص تم توقيع مذكرة تفاهم مع شركة مشاتل الساحل الأخضر، وهي شركة متخصصة بإنتاج النخيل نسيجياً والفاكهة بهدف التعاون الثنائي في المجالات الزراعية، ومن ضمنها الأبحاث المتعلقة بالنخيل والحمضيات والمانجو من خلال دعم الأبحاث ذات الصلة والإنتاج الزراعي، وتسويق الأصناف المنتجة وتعزيز تبادل الخبرات وأفضل الممارسات والتكنولوجيات التي تخدم تطور قطاع الزراعة.

ولا يقتصر التعاون على المجالات النباتية وإنما أيضاً دعم الابتكارات التي تهدف إلى تطوير قطاع النحل في الدولة من خلال توقيع مذكرة مع شركة متخصصة في مجال النحل وتقنياته، والأبحاث لا تتم ضمن المختبرات والمحطات البحثية وإنما بعضها يتم إجراؤه ضمن المزارع ليكون نقل المعلومة مباشرة للمزارع ومحاكاة للظروف الطبيعية وهنا يمكن ذكر بعض الأبحاث مثل إدخال محسنات التربة لزيادة الإنتاج في المزارع العضوية وكذلك تقييم استخدام الأسمدة العضوية المعتمدة ضمن الزراعة المائية، وعلى صعيد مكافحة آفات النخيل يتم أيضاً اختبار بعض المبيدات الآمنة بيئياً لمكافحة العناكب التي تصيب النخيل.

الطاقة النظيفة

وعززت الإمارات على مستوى التنفيذ الفعلي لتوجهات واستراتيجيات خفض مسببات التغير المناخي والتكيف مع تداعياته، نشر واستخدام حلول الطاقة المتجددة خلال الفترة من 2009 وحتى 2020 من رفع قدراتها في إنتاج الطاقة الشمسية من 10 ميغاوات إلى 2400 ميغاوات، فيما تعمل على الوصول بهذه القدرة إلى أكثر من 8000 ميغاوات بحلول 2030 بحسب وزارة التغير المناخي والبيئة.

وانخفضت كلفة الطاقة المتجددة عالمياً حيث سجل طرح مناقصة المرحلة الخامسة من مجمع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في دبي الكلفة الأقل عالمياً لوحدةِ الإنتاج في 2019، والتي لم تتجاوز 1.7 سنت لكل كيلوواط في الساعة، وخلال 2020 وفي خضم تطبيق الإجراءات الاحترازية والعمل عند بعد، وتباطؤ الحركة الاقتصادية عالمياً سجل مشروع الطاقة الشمسية في منطقة الظفرة تكلفة إنتاج أكثر انخفاضاً حيث لم تتجاوز 1.35 سنتاً لكل كيلوواط في الساعة.

وضمن جهود زيادة حصة الطاقة النظيفة تم إطلاق مشروع «براكة» للاستخدام السلمي للطاقة النووية والذي ستبلغ قدرته الإنتاجية للطاقة عند تشغيل مفاعلاته الأربعة 5600 ميغاواط، أي ما يعادل 25% من احتياجات الدولة من الكهرباء، وقد تم فعلياً الانتهاء من 2 من مفاعلاته وبدء تشغيلهما.

الاستفادة من النفايات

وجرى تطوير منظومة الاستفادة من النفايات وتحويلها إلى طاقة، عبر إنشاء العديد من المحطات المتخصصة في هذا المجال، ومنها مشروع مركز دبي لمعالجة النفايات في منطقة الورسان، والذي تنفذه شركة «دبي القابضة» مع ائتلاف من مجموعة من الشركات والمؤسسات المحلية والعالمية، والذي ستصل قدرته إلى معالجة 5666 طناً من النفايات البلدية الصلبة التي تُنتِجها إمارة دبي يومياً وسيُحوَّل نحو 1.900.000 طنٍ من النّفايات سنوياً إلى طاقة متجددة ستُغذي شبكة الكهرباء المحلية بنحو 200 ميغاواط من الطّاقة النظيفة، والمشروع المشترك بين شركتي «مصدر» المتخصصة في الطاقة المتجددة، و«بيئة» ذات الخبرة في إدارة النفايات لمعالجة ما يزيد على 37.5 طن من النفايات في الساعة لتوليد 30 ميغاواط من الطاقة الكهربائية.

كما تعمل وزارة التغير المناخي والبيئة على تشغيل محطة نموذجية لمعالجة النفايات البلدية الصلبة وإنتاج الوقود البديل منها بقدرة إنتاجية تصل إلى 300 ألف طن سنوياً.

خفض الانبعاثات

ويشمل هدف خفض الانبعاثات في كافة القطاعات الاقتصادية المتضمن في المساهمات المحددة وطنياً لدولة الإمارات طموحها والتزامها بالاستمرار بخفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة وصولاً إلى تحقيق انخفاض بنسبة 23.5% عن الوضع الاعتيادي للأعمال لعام 2030، وهو ما يعادل خفضاً مطلقاً للانبعاثات بنحو 70 مليون طن.

ويمثل هذا الهدف تأكيداً على التزام الدولة باتفاق باريس للمناخ كونه الخيار الأفضل للتعامل مع إشكالية تداعيات التغير المناخي وجهود الحد منها والتكيف معها.

وتأتي العديد من المبادرات والمشاريع الوطنية لتدعم هذا الهدف من خلال استخدام أحدث التقنيات الخضراء وزيادة استخدام ونشر حلول الطاقة المتجددة والعمل على زراعة آلاف الأشجار خلال السنوات القليلة القادمة.

تخفيف حدة التغير

وتلتزم الإمارات فيما يخص هدف تخفيف حدة التغير المناخي بتطوير وزيادة حصة الطاقة النظيفة المحلية لتصل إلى قدرة إنتاجية 14 غيغاواط بحلول عام 2030، مقارنة بـ100 ميغاوات فقط في عام 2015 وما حققته حتى الآن من قدرة بالغة 2.4 غيغاواط في 2020، وبلغ مجمل حجم الاستثمارات المحلية في مشاريع الطاقة النظيفة 40 مليار دولار أمريكي حتى الآن.

كما تلتزم بالاستمرار في تطبيق منظومة متكاملة من الإجراءات الهادفة لخفض مستوى الانبعاثات في القطاعات الاقتصادية الرئيسية (الطاقة، والنقل، والصناعة، والخدمات، والزراعة، والنفايات). وفي هذا الإطار استحدثت دولة الإمارات أول شبكة تجارية في المنطقة لاحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، لتعزيز نشر هذه التقنية بالغة الأهمية للحد من انبعاثات الكربون وتخفيف آثار تغير المناخ.