الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

بيروسترويكا العالم العربي

كانت هناك طرفة شاعت أواخر ثمانينيات القرن الماضي في ما كان يعرف بالاتحاد السوفييتي، أن نيكيتا خروتشوف وجوزيف ستالين كانا في العالم الآخر يستمعان إلى كل هذا الضجيج المنبعث من موسكو، والمتعلق بإعادة البناء «البيروسترويكا» والتحدث بصوت مرتفع «الغلاسنوست».‍

خروتشوف لم يستوعب، فسأل ستالين: ‍

ـــ رفيق ستالين.. ماذا يفعلون؟ ‍


أجاب ستالين بابتسامة صفراء: ‍


ـــ إنهم يعيدون البناء.‍

فرد خروتشوف باستنكار:‍

ــ لكن لا يوجد شيء بنيناه.. فما الذي سيعيدون بناءه؟.

أتذكر تلك النكتة القاسية كلما سمعت أو قرأت في العالم العربي عن مطالبات الإصلاح السياسي، والاقتصادي، متسائلاً: عن أي إصلاح يتحدث المطالبون به؟، وهل هناك بنية قائمة أساساً ليتم إصلاحها أم أن هناك حاجة إلى إعادة بناء من جديد؟، أم أن المأساة أكبر وحسب تعليق خروتشوف الساخر فإنه لا يوجد ما يمكن إعادة بنائه أصلا؟

نحن نتحدث هنا عن بنى سياسية واقتصادية صالحة لأن تكون دولاً متكاملة بالمفهوم الأصح للدولة، وبعلاقات سوية بين الحكام والمحكومين.. فهل العالم العربي لديه بنية تحتية سياسية واقتصادية يمكن القول بعدها إن عملية الإصلاح أو إعادة البناء ممكنة؟

في السودان مثلاً، والذي عانى من أكبر عملية هدم مستمرة لبناه السياسية والاقتصادية على مر عقود طويلة، بدءاً من رئيسه السابق جعفر نميري وانتهاء برئيسه المخلوع عمر حسن البشير.. فما الذي سيعيد السودانيون بناءه في السودان بعد 3 عقود استبداد، تم فيها تقويض كل البنى السياسية من أحزاب وتيارات ومؤسسات، والأخطر تم فيها تشويه وعي لأجيال عاصرت البشير طوال حكمه، ولم تعرف معنى تداول السلطة أو الدولة المدنية؟

تونس كمثال آخر، التي كانت أول الأمل بسبب بنية حقيقية من فكرة الدولة المدنية كان أسسها الحبيب بورقيبة في حكمه الطويل (والمستنير على استبداده أيضاً)، لتأتي دولة البوليس القمعية والمدججة بالفساد في حكم بن علي، لتقوض تلك البنى السياسية والفكرية فسمحت لتيارات الإخوان أن تشكل المعادل الموضوعي بعد الثورة لتتسلل إلى السلطة بعد اختطاف الثورة (وهي مهارة يتقنها الإخوان المسلمون)، فتزرع ألغامها في مفاصل الدولة، ونصل إلى ما تم الكشف عنه في وقت سابق من جهاز سري موازٍ لأجهزة الدولة يبطش ويقمع ويقوم بالتصفيات، والوعي السياسي التونسي يتوه في لعبة الأحزاب والسلطة على نسق لعبة الكراسي الموسيقية.‍

ويبقى السؤال الخروتشوفي صالحاً ـ بالمجمل ـ في تجارب الدول العربية: ما الذي يمكن إعادة بنائه؟، وما الذي يمكن إصلاحه؟