الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

عصر الرهاب.. والعداء المحتمل

ما هي الصورة التي سيكون الإنسان عليها في علاقته بذاته وبالآخر وبالمحيط الذي يعيش فيه؟ شغل هذا السؤال السياسيين والاقتصاديين والفلاسفة منذ القدم، لكننا نودّ إعادة طرحه بصيغة مغايرة قد تختلف في مقصدها عن الأولى، لأن الإنسان اليوم يعيش وضعاً استثنائياً لا يجعله يفكر فيما يخرج عن ذاته، بقدر ما يجعله يفكّر في خلاصه الفردي، متجاوزاً أو متناسياً الإيطيقا العامة، علم الواجبات الأخلاقية، التي كان يتحدّد بها وجوده سواء أكانت إيطيقا روحية أساسها الخوف الماورائي أو إيطيقا مادية ترتبط بفكرة المواطنة تحكمها مصلحة التعاقد مع الدولة.

صيغة هذا السؤال تأتي على الشكل الآتي: هل سيستمر الإنسان على النحو الذي حدّدته الأديان وتواضعت عليه الثقافات والقوانين الوضعية، ويحافظ على جوهر الكينونة واستمرار الحياة؟

يستمد هذا السؤال الأخير شرعيته من هذا المنعطف التاريخي الكبير الذي دشنه حادث كوفيدـ19، ويصلح أن نطلق عليه القطيعة الجينية مع مسار تاريخ إنساني كامل، أساس هذه القطيعة هو انتقال الإنسان من زمن اليقين أو اللايقين إلى زمن لم يكن متوقّعاً، وهو زمن الرهاب الفردي والجماعي والعيش في ضيق وضجر من الذات والمكان، ما نتج عنه خمود الإرادات وانحسار الرغبة في الحياة، كمّا عبّرعنه كثير من حالات الانتحار التي ضجر منها الناس في الحجر، بعد أن تملّكهم خوف ناسف لتوازنهم الداخلي.


السبب الرئيس لهذا التحوّل ليس الفيروس في حدّ ذاته، وإنما الثقة المتزايدة للعولمة في القضاء عليه، ما أوقعها في خطأ فبركة الرهاب، بواسطة أدواتها الإعلامية التكنولوجية والرقمية، وتدويله إشهارياً على نحو غير مسبوق، وكأنّه سلعة مربحة، بدون أي تقدير لنتائج هذا التداول الإعلامي على توازنات العالم واستقراره العام.


لم تعد مشكلة الإنسان مع الوباء، وإنّما مشكلته مع الخوف من مصير مجهول يتحكّم فيه فيروس غير مرئي، استطاع هذا الخوف المصنّع أن ينتج خريطة جديدة للعلاقات الإنسانية، أن يفرض تباعداً إجبارياً بين الناس ويُرسّم حدوداً وبروتوكولات بين المتخاطبين المفترضين، هذا النوع من الخوف جعل من الآخر عدواً أو فيروساً مشخّصاً في هيئة إنسان، فلم تعد علاقة الإنسان بنظيره علاقة ودّ وتعاون، بل أضحت علاقة خوف وريبة، ومن ثمّة علاقة تنافر وعداء محتملَين.

لم يكن للفيروسات التقليدية منذ القرون الوسطى، كل هذه السلطة على الإنسان، لأنّه بالرغم مما خلفته من أموات، وبالرغم من احترازات الحجر التي اعتُمدت، كان الخوف مرتبطاً بيقين روحي، حدّته أخف على فقدان الثقة وأقلّ تأثيراً في التشبّث بالفردانية التي أصبحت تستدعي النبذ بافتراضها أن كلّ آخر عدو محتمل.

في سياق عصر فيروسي مرتقب سيتمحور الصراع داخل بَينيّة متوتّرة، بين الإنسان وذاته بفعل رهاب مطّرد يجعل من الفردانية غير ملتزمة بأي تعاقد اجتماعي، وهنا تطرح أسئلة جديدة عن مصير الدولة ومكانتها التقليدية.