الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

الانسحاب إلى طريق آخر.. تفكير جديد

الانسحاب إلى طريق آخر.. تفكير جديد
نبيل عرابي كاتب ــ لبنان

كثيرة هي مفردات التحدّي، ومتعددة هي الأمنيات، ومتنوعة هي الطرق والآفاق المشرّعة أمامنا، لكن، هل نحن في الموقع الذي يجعلنا نرى الضوء الحقيقي الموجّه الى ما نريد بوضوح تام؟.

كلّنا يعلم أن التاريخ البشري لم يخل يوماً من التقاتل والعنف.. أممٌ تصارعت في كل العصور، منها مَن انهزمت، ومنها مَن تكلّل جبينها بغار النصر... وثقافات تعارضت، فانقسم البشر حولها، وحين لم تسعفهم لغة الحوار لفكّ الاشتباك الثقافي، حملوا السلاح وذهبوا الى الحرب.


ونجدنا اليوم، حين تتراكم المتاعب والهموم فوق رؤوسنا، نتساءل: متى ستذوب كرة الثلج التي لا تزال تتدحرج علينا؟، وهل بإمكاننا إرجاع الزمن الى الوراء، وإعادة ترتيبه بكل بساطة، بعد ان حدّدنا شكل الفرصة المُتاحة، وحدّدنا ملامحها؟، والى أين من الممكن الذهاب معها؟، بعد أن صار المدى يتّسع أمامنا، حيث لا تحدّيات تُذكر، وكأننا لم نستوعب أن مَنْ يحاول التقدّم، لا بدّ ان يخطئ الطريق أحياناً، أو لنقل لا بدّ أن تتوه منه المعالم في بعض المواقف، فيعجز عن تحديدها.


ويتابع، وصولاً الى الإحساس بالفشل الذي يداهمنا، حين لا نحرز تقدّماً ما، رغم محاولاتنا في الاستمرار، فنشتكي، ظنّاً أننا لم ندّخر جهداً في سبيل هذا التقدّم.

نتوقف لنمسح المكان أمامنا، ولنستكشف ما إذا كنّا قد صرفنا كل الوقت المُتاح، وهل لا تزال الفرصة متوفرة، رغم تضاؤل احتمال الوصول الى المراد منها، ومن ثم نجاحها.

نفتح أوراق كل الفصول التي احتضنت مسيرتنا بهدوء ثم نحاول الانسلال من لحظة عدم القدرة على التفكير، ونقف على كل التجارب التي عبرنا من خلالها.

تُرى، هل لأن شعورنا بالتفرّد، بأننا نحن فقط من يمتلك معرفة هذا الطريق، وتأكيد قدرتنا على التعايش مع ضوئه الباهت؟.. ربما، وأن الأفق ليس مسدوداً أمامنا، سيدفعنا إلى أخذ وقت مستقطع من الراحة، ومن ثم نعاود البحث عن معالم طريق آخر، لنطوّق إحساس الفشل الذي تمكّن منّا، ولننسحب إلى طريق آخر بتفكير جديد وإحساس مختلف.

فعسانا إن تمكنّا من انتزاع الخوف من داخلنا، واستوعبنا مضمون التقدّم بإحساسٍ سويّ وإيجابي، أن نصل دون شك الى هدفنا المنشود، وإن التقطنا أنفاسنا بصعوبة وتعثّرنا مرات عديدة، فلا يجب أن نترك المجال لأيّ عجز داخلي، لأن يدفعنا إلى محاولة لفت النظر عن هذا العجز، فنكذب على أنفسنا، وندّعي تعرّضنا لأبشع أنواع الظلم، وأن الدنيا كلها تحاربنا، ولهذا نخرج من فشل لنقع في آخر، دون ان نكون قادرين على مواجهة الحقيقة، ولو بيننا وبين أنفسنا، لأننا حين نصل الى مرحلة عدم الثقة بالنفس، لعدم امتلاك مقومات التميّز في عملنا، فعلى الأغلب لا نسعى إلى تطوير قدراتنا، ونرفض فكرة التعلّم ممن هم أكثر خبرة منّا، فتبقى مشكلاتنا كما هي، وتضاف إليها مشكلات أخرى، ولا شك أن الهروب من مشكلة إلى أخرى، على أنها هي الحل، لن يغيّر في الأمر شيئاً، ولكنه قد يكون مخرجاً آنياً، لحالة انفعالية معيّنة.

وعندما تهدأ النفوس، سنكتشف أننا أصبحنا في مشكلتين، بعد ان كنا في واحدة. وبالمقابل إن نجحنا في عملنا، يجب أن لا نعتقد أن الدنيا كلها تحسدنا على نجاحنا، أو أن الدنيا كلها تعمل على إفشالنا، فهذه هي الدنيا تحتضن الجميع فاشلين وناجحين!!.

أُمّتنا، هي من بين الأمم التي عاشت وخاضت الصراع بكل أشكاله، واكتوت بنار الحرب في أحقاب تاريخية طويلة، ولاتزال، انكسرت، وانتصرت، ولملمت جراحها في مناخات الهزائم الداكنة، وعادت فوقفت على قدميها، لتستمر في مسيرة وجودها بفضل الساعين دوماً لصقل معدنها الأصيل، واستلهام مخزونها الذهبي من القيم ومنجزات العقل والطموحات البعيدة المدى، لتكتشف طريق الخلاص على ضوء التماع فكرها، ونبض قواها الحية، التي لانزال نكتنز جمرها منذ أقدم العصور.