الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

المستنقع الليبي.. والقوى المتنافسة

المستنقع الليبي.. والقوى المتنافسة
محمد سعدي كاتب ومحامٍ - الجزائر

واضح أن المعضلة الليبية دخلت مرحلة كسر العظام بين الفريقين المتقاتلين، خاصة بعد الرفض الصريح لجماعة طرابلس الجلوس لطاولة الحوار مع جماعة بن غازي مؤخراً، واعتبار أن هذه الأخيرة انهزمت في معركة «ترهونة» عسكرياً، ولم يعد أمامها سوى الاستسلام بدون قيد أو شرط، وهذا الموقف المُتشدّد الصادر عن طرابلس من حكومة الوفاق ما هو إلا إعلان حرب على كل ليبيا بإيعاز من تركيا والناتو، بعد أن ضمن رجب طيب أردوغان قواعد خلفية مادية ومعنوية في تونس بفضل راشد الغنوشي، وحركة النهضة الإخوانية.

وهكذا يظهر أن محور (الناتو - تركيا - طرابلس) يدفع باتجاه إقحام الجيش المصري للدخول فعلياً في مستنقع الحرب العسكرية في ليبيا، ومواجهة تركيا عسكرياً على الأرض مباشرة، وهي مغامرة خطيرة إذا ما قرّرت مصر منفردة الدخول في مواجهة مباشرة عسكرياً مع تركيا، خاصة أن مصر مشغولة الآن بالإرهاب في سيناء من جهة، وتهديدات إثيوبيا من جهة أخرى مع المخاطر الأخرى على حدودها من عدة أطراف ودول.


إن تلك التحركات الممنهجة والمدروسة بدقة، المراد منها ـ أولاً وقبل كل شيء ـ الإطاحة بأحد الجيوش العربية المتبقية في ساحات المواجهة.. جيش لا تزال له كلمته في الساحة العربية، خاصة المشرقية بكل ما فيها صراعات وتكتلات وأحلاف.


أما بالنسبة لـ«ليبيا» فإن قوى الشر تعمل من أجل إعادتها إلى تقسيم ما قبل 1953 أي إلى ثلاث مقاطعات، هي: بنغازي، وبرقة، وطرابلس)، وبذلك تتحكم القوى العالمية المهيمنة في أحد أهم مصادر الطاقة في شمال أفريقيا، والمغرب العربي بالذات، وهذا هو الأهم بالنسبة للقوى العالمية المتحكمة الآن في الصراع الليبي.

وسيترتب على ذلك عدم السماح لبروز دولة ليبية موحدة من جديد على المديين القريب والمتوسط على الأقل، إلى أن يتم ترتيب العالم من جديد (ما بعد كورونا) على شاكلة ترتيبات (سايكس ـ بيكو) القديمة ـ الجديدة بنواميس عالمية مستحدثة تتحكم في كل العالم عن بعد ودون خسائر بشرية، وهذا ليس ببعيد في عالم تكنولوجيا العصر الحديث، والذي يعتمد على الآلة مكان الإنسان في كل الميادين بما في ذلك الحربية.

والأغرب من كل ما تقدم أن الناتو متواجد في بنغازي بتواجد فرنسا، ومتواجد بطرابلس بتواجد تركيا، وروسيا متواجدة عن قرب، لكنها مجرد مراقب شكلي للأحداث، والضحية الأولى والأخيرة هي الشعب الليبي، الذي يعد وقوداً للحرب الدائرة الآن.

أمام هذا الوضع المأسوي نجد الغائب الأكبر على الساحة الليبية الآن فعلياً هو الجزائر رغم أنها المتضرر الأول من الأوضاع الأمنية في ليبيا، وهي الآن محاصرة من كل الجهات، وتواجه التهديدات الإرهابية، والسبب أنها لم تجد حليفاً عربياً صادقاً للتعامل معه في المعضلة الليبية، خاصة أن مصر تحاول التفرد بالمعضلة الليبية دون تشاور مع الجزائر.

ويرى بعض المحللين أنه ما لم يتم التنسيق بين مصر والجزائر بخصوص الأزمة الليبية، فسيعود ذلك بالسلب على الدولتين، وإن استمرت مصر في موقفها دون إعادة ترتيب علاقتها بالجزائر، فإنها ستدفع لوحدها الثمن لا محالة في كل مواجهاتها العسكرية والدبلوماسية في ليبيا، ذلك لأنه لا خروج من المستنقع الليبي إلا بتوافق جزائري ـ مصري على جميع الأصعدة، وبعدها يمكن الحديث عن خريطة طريق ليبية ـ ليبية لحل تعقيدات الأزمة، وأبعاد الوجود الأجنبي، خاصة التركي، وإلا فإن ليبيا كدولة موحدة متجهة نحو الزوال لا محالة، لذلك على كل دولة من دول الجوار تحمل مسؤولياتها، خاصة صاحبة المصالح الاقتصادية في ليبيا، أما الجزائر فلا مصالح لها، وأمنها القومي تحت حراسة أيادٍ أمينة.