الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

أخطار تَضخُّم الدّولة

اتّسع الحديث في الأشهر الأخيرة عن ضرورة عودة الدولة المركزية وتقوية أدوارها، بما يجعلها قادرة على حماية المجتمع من الأخطار الطبيعية وفي مقدّمتها الأخطار الفيروسية.

وخلال هذا الحديث الذي أصبح له منظّريه ودعاته السّياسيين، تسلّلت فكرة إباحة تَضخُّم الدّولة وشرعية هيمنتها على المجتمع واحتواؤها للاقتصاد والسّياسة ومراجعتها للفكرة الديمقراطية والحقوقية، إذ ظهر أنّه ليس لها ذلك المقدار من النّفع، كما كان يُرجى منها قبل جائحة كورونا في تحصين الأمن الإنساني والرّفاه الاجتماعي وترسيخ الانضباط للأسس الكبرى التي تقوم عليها تعاقدات الدّولة والمجتمع.

يَحْكُم الانجرار وراء هذا الحديث، مسألة واحدة تتعلّق بالصّدمة أمام عجز الدّولة المُعَوْلَمة في القضاء على الجائحة نتيجة تخلّيها عن أدوارها الاجتماعية الحمائية، وارتباط الرّأسمال بالرّبح المادي على حساب الإنسان، لكن غاب عن هؤلاء أن دعواهم تنتصر مباشرة للرأسمالية والدّولة المؤدّية إلى النّظام الشّمولي القائم على الحكم الفردي.


وكلّما تضخّمت أدوار الدّولة، تَقوَّت من داخل أجهزتها لوبيات سياسية متحالفة مع البورجوازية المتوحّشة، تستعمل القانون كجهاز إيديولوجي لشرعنة غطرستها وجشعها الذي لا ينتهي في حصاد الأرباح غير المشروعة.


هذا ما حاولت «حنّا أرندت» أن تُبرزه وهي تَعرِض للخصائص الوظيفية للأنظمة الشّمولية باعتبارها إيديولوجيا مُدمّرة للسياسة وللعالم وللإنسان، حيث إنّ هدفها هو خلق مجتمع منغلق وقطيع من الأفراد الانعزاليين البعيدين عن الانتماء إلى معنى العيش المشترك وسيادة الدولة الوطنية والمجتمع المنفتح.

يقوم النّظام الشّمولي على قاعدتين: قاعدة خلق مصالحات نفعية بين النخب السياسية والحزبية والثقافية، التّي تُمثّل هذا النّظام وبين صُنّاَع الرأسمال الرّيعي تحت ذرائع قانونية تُطْبَخ غالبا في أجهزته المؤسّساتية.

ومن داخل هذه النُّخب تصعد غالبا فئة من التكنوقراط لا تقوم بأدوارها التقنية تنفيذا لرؤية سياسية مُعدّة لها سلفا، بل تقوم بدور احتلال مكان السياسي المعارض، لصَون هذه المصالحات وتَجْميل وجه الشّمولية تحت شعار الخِبرة والنّجاعة الميدانية.

أمّا القاعدة الثّانية، هي سعي الدّولة إلى جعل إرادتها مطلقة وقراراتها أحادية في تدبير المجتمع وتوجيهه بما يتّفق ومصالحها، كما حدث مع النّازية والدّولة الستالينية، مُبرّرة أفعالها بضرورات المنفعة العامة وبأنّ ما تراه هِيَ، لا يراه عامة النّاس.

وأطلقت أرندت تسمية الغوغاء على هذه العامة، لأنّها لا تصنع مصيرها من داخل العقد الاجتماعي المُتوَاضَع عليه، ولا تدافع عن إنسانيتها باستقلالية تجعل منها طرفا مركزيا في تشييد الفكرة الوطنية، وإنّما تكتفي بأن تنخرط في دائرة القطيع، وتُردّد صدى مصالحات زائفة بين النّخب المُشار إليها أعلاه وبين البورجوازية العَفِنَة.

وعليه، فإن الدّعوة إلى الدّولة المركزية دون سياق نظري جديد يوضّح معاني المركزي فيها والأدوار المنوطة بها ضمن نظرية مختلفة للتعاقد الاجتماعي، كما أوضحته في مقالة سابقة، هي سقوط في آفة النّظام الشّمولي ومِنْحَة ذات قيمة نفيسة للرأسمالية المتوحّشة.