الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

كورونا وباء أم طاعون؟

البعض يصنف (كورونا) الحالي بأنه وباء، والبعض يرمز له بالطاعون، وكمقدمة وبعد البحث، يتبين أن كل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعوناً، وأن الوباء أعم من الطاعون، وقد يسمى كذلك عن طريق المجاز.
التفريق السالف الذكر يضعنا أمام آداب ومسالك نجدها مبثوثة بين كتب أهل العلم؛ فالوباء يسن الدعاء برفعه، والتعوذ بالله منه، والصدقة والصلاة والصيام تقرباً لله من أجل زواله مع التداوي، أما الطاعون فإن التعامل معه مختلف؛ وعلى سبيل المثال، نجد حديثه صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فراراً منه»، ونجد أنه في الطاعون الشهير الذي أصاب مدينة (عمواس) الفلسطينية، في عهد سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه؛ أن أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح، رضي الله عنه، قَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: أَيهَا النَّاس إِن هَذَا الوجع رَحْمَة من ربكُم ودعوة نَبِيكُم وَمَوْت الصَّالِحين قبلكُمْ، وَأَن أَبَا عُبَيْدَة يسْأَل الله أَن يقسم له حظاً مِنْهُ»، فمات به، ونجد أيضاً حديثاً نبوياً يمدحه؛ فقد سَأَلت السيدة عائشة، رضي الله عنها، النَّبِىّ، صلى الله عليه وسلم، عَنِ الطَّاعُونِ، فَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاء، فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ، فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، إِلا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ»، ومؤكد عند من يملك البصيرة أن الشهادة هنا لمن أصابه الطاعون وصبر واحتسب، فالطاعون في ذاته، لا يمكن أن يستحق أي مدح، وإنما الممدوح تصرف المصاب به، والذي يستحق بموجبه أجر الشهادة؛ وهذا هو ما تصرف به سيدنا أبو عبيدة، الذي تواجد في أرض حل بها ما حل من طاعون، وغلب على ظنه عدم السلامة منه، وعلم من سابق ما أخذه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أن من أصيب به، فصبر واحتسب نال الشهادة، وليس ذلك من باب تمني الموت، بل هو من باب الشوق إلى لقاء الله، والتسليم بقضائه وقدره.
كورونا الجديد، كما هو مشاهد، جمع بين الوباء والطاعون معاً؛ ولذلك الدعاء والصدقة والاستغفار مطلوب، والتداوي والحذر والتحرز مطلوب أيضاً.