السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

نهايات استكبار البشر

أغلب الرسائل والفيديوهات المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي حاليّاً تدور حول جائحة كورونا وتأثيرها على حياتنا، أحد هذه الفيديوهات على شكل رسوم متحركة بعنوان: «أخطر الكائنات في الكون»، والذي شاهدته قبل أيام، يلخص في دقيقتين تطور الإنسان منذ العصر البدائي إلى عصر المدنية الحديثة، التي شيّدت ناطحات السحاب واعتمدت الذكاء الاصطناعي لتحقيق تطور تكنولوجي ورقمي مذهل، حيث سخّر الإنسان الحيوانات والموارد الطبيعية الأخرى واستغلها لمصالحه النفعية،عابثاً بالطبيعة ومقدراتها، يصور الفيديو الإنسان كوحش مارد فتاك وأناني لا يعرف الرحمة، لتنزل كائنات فضائية أقوى من السماء تصارعه وتقضي عليه.

إنها قصة وجود الإنسان على الأرض، قصة تطور غير مسبوق، لا سيما في القرنين الماضيين، الكثير منا انبهروا بما وصل إليه العلم من تطور مذهل وقدرة على التنبؤ ومحاولة لتسخير الأقمار والكواكب والنجوم والأجرام السماوية الأخرى، فهذا الشاعر الكبير سعيد عقل يرى أنه سيأتي يوم يكيّف فيه الإنسان لا النظام الشمسي فحسب بل كل نجوم مجرتنا وصولاً إلى المجرات الأخرى لنتخلى عن شموس ونبقى في أخرى، ولكن اندحر هذا الادعاء أمام فيروس مجهري، وأدركت البشرية أن الاستكبار لا يليق إلا بالله، فهو خلق السموات والأرض وقدّرهما تقديراً، وليس الإنسان إلا مخلوقاً ناطقاً في الكون الواسع الذي لا يعرف نهايته إلا الله، ولا نعلم متى يداهم الأرضَ وباء أو كائن فضائي ويخط نهايتنا.

جاء في الذكر الحكيم قصص الملوك الجبابرة والطغاة الذين علوا في الأرض واستكبروا استكباراً، وعاثوا في الأرض فساداً، ولقوا شر العاقبة، ويتكرر العلو في الأرض من حين إلى آخر، فبعض قادة العالم يتصرفون اليوم كأرباب، حتى ادَّعى أحدهم قبل انتشار كورونا المستجد أنه لا قوة في الأرض تستطيع أن تحول دون تحول بلده إلى قوة عظمى، لتداهم العالم جائحة كورونا، والتي جعلت الجميع في حالة خوف وارتعاد على المصير، وبقاء حتى الحياة اليومية البسيطة والجميلة التي عشناها وعرفناها بحلوها ومرها، قبل انفجار هذا الوباء غير المسبوق في جهات العالم الأربع.


نعم، ولكأن الإنسان الذي تجرأ على الطبيعة وعبث بها، فها هي الطبيعة ترد له الصاع صاعين، وتصعقه في صميمه ومن حيث لا يدري.


وإذا كان فيروساً مجهرياً ترك لنا عبراً شعوباً وأمماً وأفراداً، فالاستكبار على مناصب أو إنجازات حقيقية أو موهومة هو كالزبد الذي يذهب جفاء، وأما التواضع والخلق الحسن فينفع الناس ويمكث في الأرض.