السبت - 08 فبراير 2025
السبت - 08 فبراير 2025

يوميات رجل ميت

روايةٌ مسرحية أخذت عناوين عدة منها (إلى صديقتي السرية) أو (الثلج الأسود) أو (يوميات رجل ميت) وهي رواية لم ينهِها بطريقة ما ميخائيل بولجاكوف.

بدأ بولجاكوف بكتابة الرواية بجدية في 26 نوفمبر 1936. على هيئة رسائل وسلسلة من المذكرات، أسماها "إلى  صديقتي السرية"، موجهة إلى زوجته المستقبلية إيلين بولجاكوفا،  وأخذ يشرح كيف أنه "أصبح كاتباً مسرحياً".

في 1930، بدأ بتطوير عمله إلى رواية مسرحية جديدة،  تحت عنوان مغاير "يوميات رجل ميت" ، وفي العام نفسه عانى بولجاكوف من التضييق والتعسف والحظر الذي طاله آنذاك من الرقابة السوفيتية فأحرق مسوداته، بجانب الرواية التي تناولت قضايا مع الشيطان.

ولعل المثال الأكثر إثارة للاهتمام في شخصية هذه الرواية، الأحداث التي تأتي على شبه سرد للسيرة الذاتية، والتي تكتب على أنه سلسلة رؤى وأحلام: "يروي  بولجاكوف على أنه يحلم بمشاهدة هذا القتل ويقول إنه مات في الحلم، ليس بالمعنى الحرفي، إذ لا يزال الراوي يكمل قصته أنه صرخ على المجرمين والقتلة، ثم اندفع ببندقيته لقتل نفسه قبل أن يأتي رجال بيليورا وينهوه، لكن البندقية بقيت عالقة، واستيقظ وهو يصرخ هلعاً.

في وضع بولجاكوف آنذاك، هل هذه الجهود والمحاولات - كل هذا العمل وإعادة العمل، يسعى جاهدا لتفكيك المأساة مع المأساة - الناتجة من  المعرفة و الوعي الذاتي؟ وأود أن أقول المعرفة الذاتية والوعي الذاتي، وبين المعرفة نفسها والسعي النشط للتوصل للصدق الفكري.

بالنسبة "لكاتب عظيم في رأيي كبولجاكوف، ليست المعرفة بحد ذاته التي دفعته  للعمل إنما النضال نحو تحرير الفكرة ، فإن الشك والتردد في اليقين، والنضال، لمعرفة هذا الوعي التعقيدي أمام الكثير من الإحباطات والعمليات المضنية التي مر بها في محاولته للحصول على فرصة للاستمرار، جعلت هذا العمل الأكثر تولداً مع المآسي قادراً ببساطة على دفع العمل أخيراً لرقابة القارئ وتحليله وحكمته .

عاني  بولجاكوف بشكل خاص بهذا حين قرر عددٌ من نقاد الحزب السوفييتي الأدبي في أثناء تأليفه حظر كل مسرحياته من الخشبة ،  ثم كتب رسالة إلى صديقه، الكاتب الروسي مكسيم غوركي يقول فيها ، "أنا مدمر، مشوه السمعة، و وحيد للغاية ".

لم ينهي بولجاكوف أبدا يوميات رجل ميت، على الرغم من أن الرواية لا تزال يوميات متكاملة لدى بعض القراء. ويستند سيرجي ماكسودوف الشخصية الرئيسية والذي هو بولجاكوف نفسه. على قصة كاتب مكافح ولكن على عكس بولجاكوف، إذ اعترف في  نهاية المطاف في الفصل الثالث أنه غير ناجح في إتقان فن كتابة الرواية، وعزز اعترافه في محاولته للانتحار بوضع فوهة البندقية على جبهته. لكن فجأة في الفصل التالي، يظهر المحرر والناشر، إيليا إيفانوفيتش روفولفي، على عتبة بابه، مما يضع حداً لخططه.

على الرغم من أن هذه الرواية ليست، بأي وسيلة، في كفة المقارنة مع رواية  المعلم ومارغريتا، فمن الضروري بالنسبة لأولئك الذين يريدون أن يفهموا بولجاكوف قراءتها. وعلاوة على ذلك، فهي قراءة إلزامية لأولئك الذين يرغبون في  فهم الاضطهاد الذي  يواجه المبدعين  أحيانا- عبر النضال من أجل الحفاظ على الإيمان والمعرفة على الرغم من التسلط وسلب حرياتهم. من المثير للاهتمام أيضاً أنها تتعلق بقضايا الرقابة التي كانت سائدة آنذاك في روسيا. واليوم في كل مكان.

في المجمل، هذا الكتاب جوهرة صغيرة، تتألق مع العديد من الجوانب التي من شأنها أن تترك للقراء مساحة  لتأويل خاصة بهم.

إقبال عبيد

ناشرة ومترجمة