الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

رحيل ربان الشعر النبطي

فقد الشعر النبطي نصيره وحاميه وأحد فرسانه ورواته برحيل الشاعر الإماراتي راشد بن غانم العصري الذي جاب الدولة يذكر وينظم ويهدي الحاضرين كنوز الأولين، الشاعر الأمين الذي سجل حضوراً مؤثراً في الأمسيات مردداً أبيات المبدعين ومذكراً بعظماء عاشوا بيننا وسكنوا وجداننا. رحل العصري فنبهنا إلى ضرورة الإسراع بتوثيق ذاكرتنا الشفاهية وحفظ تراث الآباء والأجداد، وما أحوجنا قبل كلمات الرثاء إلى عمل يستنهض هممنا لحفظ ديوان العرب وحماية الشعر النبطي من الاندثار. غاب ربان بحور الشعر نصير الهلالي والصخري والمسحوب والهجيني والحداء، والعرضة والسامري والمروبع. المؤسف أنه ودعنا قبل أن يصدر ديوانه الشعري، ولعل من الإنصاف والوفاء أن يبادر محبوه وتسارع الجهات المعنية لإصداره وحفظ أشعاره لأجيال مقبلة. غادرنا المحب صاحب العتب على الأجيال الجديدة، والذي طالب بنظرة إنصاف وإبداع إلى الشعر النبطي، وما أحوجنا إلى إكمال رسالته في الارتقاء بالشعر النبطي وتقديمه بما يليق به، وبكل ثقة وفخر إلى الأجيال الجديدة. وبعد الآن لن تضيء الأمسيات بالشاعر الذي خاطبنا «ماهوب قول قال أو قول جهال، شروا وضوح الشمس ما ينكرونه، أهديت لكم شعري مدون في لسجال، لهل المكارم لي حضروا يسمعونه، سلام لكم مني من أول إلى التال، ومن كانه العصري خطا تسمحونه». كان العصري ديوان شعر متنقلاً وأرشيفاً بشرياً وخزانة للتراث وموثقاً للشعر النبطي وحافظاً للذاكرة الشفاهية، يتميز بالقدرة على الحفظ والتذكر والإتقان في الإلقاء، مع ذاكرة حديدية إبداعية تحفظ وتسترجع درر الشعر النبطي من أربعينات القرن الماضي حتى الآن. وربط نصير الشعراء بين عصر الغوص وسوشيال ميديا، فلم يتخلَّ عن أصالته ولم يخن وفاءه لزملائه من المبدعين ولم يتقوقع بعيداً عن المجالس والإعلام. من سوء حظنا أن رحل صاحب «نصيحة شاعر» قبل أن نعمل بنصائحه وندوّن قصائده ونحفظ أجيالاً أصيلة موهوبة سكنت الذاكرة الشفاهية، ومن حقها علينا أن نحميها من النسيان والاندثار،ونزيح عنها غبار الإهمال والتجاهل. شكّل الراحل ثنائياً مبدعاً مع رفيق عمره الشاعر سيف بن حمد بن سليمان، يجوبان الأمسيات ويبوحان بكنوز الشعر النبطي وقصص الراحلين وينقلنا بغمضة عين إلى زمن الطواش والغوص واللؤلؤ والسدو، وكانا أشبه بأرشيف متنقل يحفظ أسماء الشعراء ونوادرهم وقصصهم وما جادوا به من درر شعرية وكنوز نبطية. وكان، رحمه الله، حجة في إلقاء القصائد غير المكتوبة لغيره من الشعراء الراحلين والمحاورات بين الشعراء في الغزل والمواضيع الاجتماعية. من حقه اليوم أن نرثيه كما رثى أخته قبل أشهر «خلني بقبل الدمعه يوم خرن فوق وجناتج.. وانطفت من خدج اللمعة وايقنت راحت مسراتج.. قدر الله ليله الجمعه ينهي الخالق معناتج.. افترقنا من بعد ربعه عند رب العرش ملقاتج»، والغريب أنه يتحدث عن فراق أخته يوم الجمعة وفارقنا هو أيضاً في يوم الجمعة.