الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

شادية .. جفت الدموع

صدقت شادية عندما غنت ليالي العمر معدودة وليه نبكي على الدنيا، فرحلت في نبل وكبرياء، وبقي صوتها وصورتها حية نابضة في قلوب محبيها، عصية على النسيان والفناء، وهي التي ملأت الدنيا إبداعاً وغناء، ماتت ولكن عشقنا لها يظل هو «الحب الحقيقي». وتتعدد المبدعات والموهوبات الممثلات والمطربات، ولكن في عالم الفن لا توجد سوى «فاطمة أحمد شاكر» أو شادية واحدة فقط. ورغم اعتزالها الفن منذ 27 عاماً إلا أن حضورها لم يخفت وظلت حاضرة بقوة في المشهد السينمائي والحياة العامة يتذكرها الملايين بأغنياتها الوطنية مثل يا حبيبتي يا مصر، وأغنياتها الدينية مثل «خد بإيدي»، ومسرحيتها الوحيدة ريا وسكينة ومسلسلاتها الإذاعية. جمعت شادية بين موهبتي التمثيل والغناء كما لم يبرع فيهما أحد آخر، وظلت وفية لفنها وجمهورها، مدققة في اختياراتها، محافظة على رصيدها الفني الحافل. ولدت شادية في 8 فبراير 1931 وكان الأب أحمد كمال شاكر، مهندساً زراعياً في الأملاك الأميرية بينما تنتمي الأم خديجة طاهر جودت إلى أصول تركية، وكانت «آخر العنقود» بين أشقائها الأربعة «محمد،عفاف، سعاد وطاهر»، طفلة شقية لا تكف عن الحركة والضحك والشقاوة. وانتقل جينات الغناء إلى شادية أو فتوش، كما كانت أسرتها تدللها، من والدها صاحب الصوت الجميل، الذي كان يجيد العزف على آلتي العود والبيانو. وتعلمت شادية الغناء من شقيقتها الكبرى عفاف شاكر، ولكنها تفوقت عليها، بينما اكتفت عفاف بالزواج من كمال الشناوي، ولم تكمل مشوارها الفني. وبدأت «شادية» مشوارها مع الفن، عندما تقدمت لاختبار تمثيل أعلن عنه استوديو مصر، وكادت السينما المصرية أن تفقدها مبكراً عندما سخر منها المخرج أحمد كامل مرسي وأخبرها أنها لا تصلح للفن، طالباً منها الذهاب إلى طبيب لإجراء عملية «اللوز». ولكنها ثابرت وعاندت، وفرضت موهبتها الأصيلة لتنجح أخيراً، وتقف في أول دور بطولة على الشاشة أمام المطرب والملحن محمد فوزي في فيلم «العقل في أجازة». ولفتت الممثلة الجديدة الأنظار إلى موهبتها، وأدرك صناع السينما أنهم أمام نجمة شاملة، «معجونة بالموهبة»، وسرعان ما استحوذت على قلوب الجماهير بتلقائيتها وحيويتها وخفة دمها، وإجادتها مختلف الأدوار، إلى جانب صوتها الساحر. مثلت «دلوعة السينما» شادية 112 فيلماً وعشرة مسلسلات إذاعية ومسرحية واحدة، وتعد من أبرز النجمات في تاريخ الدراما العربية. وبدأت مسيرتها الفنية عام 1947 بفيلم أزهار وأشواك، واختتمتها عام 1984 بفيلم لا تسألني من أنا، وبينهما مئات الأعمال الفنية المتميزة. ومن الصعب حصر أعمال شادية السينمائية لأنها تميزت بالحرص على انتقاء أدواها، والتنويع فيها، ومن أبرزها الروح والجسد، كلام الناس، ساعة لقلبك، ظلموني الناس، الزوجة السابعة، حماتي قنبلة ذرية، أشكي لمين، قطر الندى، بنت الشاطئ، موعد مع الحياة، الظلم حرام، شاطئ الذكريات، شباب امرأة، دليلة، لوعة الحب، معبودة الجماهير، اللص والكلاب، زقاق المدق، نحن لا نزرع الشوك، أضواء المدينة، والشك يا حبيبي. لكن فيلم «المرأة المجهولة» (1959) هو الأشهر في مسيرتها الفنية، ونقطة التحول المهمة، ونالت عنه جائزة أفضل ممثلة، بالرغم من أنها لم تكن مرشحة لبطولته نظراً لصغر سنها في ذلك الوقت، وهو مأخوذ عن القصة الفرنسية «مدام إكس». ولا نستطيع نسيان أدوارها في «اللص والكلاب»، «الطريق»، «ميرامار»، «شيء من الخوف»، «الهاربة»، «وداع في الفجر»، «التلميذة»، «قلوب العذارى»، و«ارحم حبي» التي كانت شهادة إجادة فنية لقدراتها على أداء الشخصيات كافة والإمساك بمفرداتها وتفصيلاتها كافة. وكونت شادية العديد من الثنائيات الفنية مع كبار نجوم السينما مثل أنور وجدي «قطر الندى»، محمد فوزي «الزوجة السابعة، صاحبة الملاليم»، عماد حمدي «المرأة المجهولة، أقوى من الحب، ليلة من عمري»، كمال الشناوي «ليلة الحنة، الروح والجسد، ساعة لقلبك»، شكري سرحان «اللص والكلاب»، محمود مرسي «شيء من الخوف». ولكنها أبدعت بصفة خاصة مع صلاح ذو الفقار الذي تزوجته وقدمت معه أعمالاً ناجحة ستظل محفورة في تاريخ السينما العربية مثل مراتي مدير عام، كرامة زوجتي، عفريت مراتي، أغلي من حياتي. وعملت شادية مع كل نجوم الفن السابع تقريباً مثل إسماعيل ياسين «ليلة العيد»، عزت العلايلي «ذات الوجهين»، محمود ياسين «الشك يا حبيبي»، أحمد مظهر «لوعة الحب»، أحمد رمزي «امرأة في دوامة»، عمر الشريف «غلطة حبيبي»، رشدي أباظة «الزوجة 13»، فريد شوقي «ألف ليلة وليلة» حسين فهمي «أمواج بلا شاطئ»، عماد حمدي «ارحم حبي». وتسابق نجوم الغناء على التمثيل معها فشاركها البطولة عبدالحليم حافظ «دليلة، معبودة الجماهير»، وفريد الأطرش «انت حبيبي، ودعت حبك»، كمال حسني «ربيع الحب»، منير مراد «أنا وحبيبي». ولم تكتف شادية بالتمثيل أمام الكاميرا، فاستهواها ميكروفون الإذاعة وشاركت في ستة مسلسلات هي صابرين، سنة أولى حب، نحن لا نزرع الشوك، الشك يا حبيبي، وسقطت في بحر العسل، جفت الدموع. قيثارة الغناء ظلت شادية حاضرة في كل المناسبات الاجتماعية والوطنية بأغنياتها الخالدة. شدت يا أم الصابرين، لتشد من عزم الرجال، ولمصر أغنيتها الحاضرة دوماً «يا حبيبتي يا مصر»، واحتفلت برجوع سيناء كاملة «مصر اليوم في عيد»، «أمانة عليك أمانة»، «وحياة رب المداين»، أقوى من الزمان. غنت للحب «مايكونش ده اللي اسمه الهوى، يا سلام على حبي وحبك، وحياة عينيك وفداها عنية» وتدللت على الحبيب «ما تهونش عليه»، ونصحته «بالهداوة» والخطوبة «يا دبلة الخطوبة، خطابي الكتير». وللشبكة «شبكت قلبي»، وللزفاف «يا دنيا زوقوكي» ولأيام الزواج الأولى «شهر العسل»، وعبرت عن حياء البنات «مكسوفة»، انت أول حب، وللسماح «معلش النوبادي». وللغربة غنت «خلاص مسافر»، ولابن الجيران «مين قالك تسكن في حارتنا»، وللمولود «برجالاتك» وللأم «ماما يا حلوة». وعلى الرغم من أنها لم تنجب إلا أنها تبكي الأمهات بأغنيتها الشهيرة «سيد الحبايب يا ضنايا» حتى الدواب غنت لها «شي يا حماري». ومن الصعب أن نعدد أغنياتها الشهيرة، التي نتذكر منها «يا حبيبي عد لي تاني»، قولوا لعين الشمس، آه يا أسمر اللون، ليالي العمر معدودة، آه يالموني، القلب معاك، رحلة العمر، الدور الدور، والله يا زمن. تعاونت مع الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب في عشرات الأغنيات مثل أحبك واضحي بحبك، وطني حبيبي، الجيل الصاعد. الطريف أن «بسبوسة» كانت سبباً في القطيعة بينها وبين الموسيقار محمد عبدالوهاب، بعد أن وافقت على حذفها من فيلم «زقاق المدق» ليغضب منها الموسيقار ويوقف التعامل معها. وحرص كبار الملحنين على التعاون معها، ولكن بليغ حمدي يظل هو الأبرز، فقدمت معه عدداً من أبرز أغنياتها مثل أغنية «يا عيني على الولد» التي غنتها في فيلم شيء من الخوف، وقولوا لعين الشمس، ويا أسمراني اللون، الحنة، وعطشان يا صبايا.