الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

الإمارات والسعودية .. جينات حضارية ومأسسة للعمل الثقافي

ما بين الإمارات والسعودية أكبر وأشمل وأعمق من اختيارها ضيف شرف في معرض الرياض الدولي للكتاب، ولا يهم هنا التسمية، فالإماراتيون ليسوا ضيوفاً، بل أصحاب دار بين أشقائهم السعوديين، تربط بينهم وشائج المحبة والتعاون والتماثل وتتغلغل إلى الجينات والموروثات. الإمارات حاضرة طوال العام في وجدان السعوديين، والأمر ذاته في وجدان الإماراتيين يربط بين الشعبين علاقات وتاريخ ودم ونخوة وسعي مشترك نحو المستقبل. ومن المؤكد أن إنشاء المجلس التنسيقي الثنائي بين البلدين يمثل دفعة في طريق مأسسة العمل الثقافي والحضاري المشترك. يجمع بين الثقافتين الإماراتية والسعودية النهل من الإسلام وفق رؤية وسطية تدعو للتعمير والبناء وقبول الآخر، احترام العقل وتوقير العلماء، التسامح والتعاون والتفاعل البناء مع المجتمعات والحضارات الأخرى. وعلى مرّ التاريخ شكل الشعراء والأدباء رابط محبة وإبداعاً بين الشقيقين، ويكفي أن نستشهد بالشاعر السعودي مبارك بن حمد العقيلي الذي عاش ودفن في الإمارات، والشاعر السعودي عبدالله الهاشمي. ولم ينقطع توافد العلماء والأدباء والنجباء من وطنهم السعودية إلى وطنهم الإمارات. وتربط البلدين وشائج وثيقة من التراث اللامادي يتمثل في الحرف اليدوية والتقليدية والحكايات والأمثال والألفاظ والدلالات وطرز المعمار والرقصات الفلكلورية وأهازيج البحارة والشلات وأدب الترحال والرحلات، وكلها نابعة من بيئات بحرية وصحراوية وجبلية وزراعية متشابهة إلى حد التماثل. الحقيقة أن اختيار الإمارات ضيف شرف معرض الرياض للكتاب، دفعة مثمرة في إطار تحقيق مشروع ثقافي عربي يستند إلى التفاعل والتلاقح، ينهل من التراث ويطوره، يرتقي بالعقل ويسمو بالروح ويقصي دعاوى الانغلاق والظلامية والتطرف والغلو ويعيد بقوة إسهامات العرب في الحضارة الإنسانية. الحضور الإماراتي في معرض الرياض الدولي للكتاب لم يكن الأول ولن يكون الأخير، فهناك نسيج وجينات وراثية حضارية تجمع بين الشعبين ويشهد المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية)، مشاركات إماراتية متميزة في دوراته المتعاقبة. ويعتبر المعرض إحدى أبرز التظاهرات الثقافية في المنطقة، فهو لا يقتصر على كونه منصة للكتب فقط، بل ساحة للإبداع بمختلف أطيافه وأنواعه، ويتوقع أن يستقطب ما يقرب من مليون زائر أو مليون مشروع استنارة. ويتضمن البرنامج الثقافي المصاحب للمعرض 80 فعالية ثقافية خصص منها 15 منشطاً للقراءة. لم تقتصر المشاركة الإماراتية في المعرض على الجانب الرسمي فقط، بل شاركت 18 مؤسسة ثقافية دلالة على ما يمثله الحدث من مكانة في وجدان الإماراتيين. وتشمل المشاركة جدارية مشتركة وحلقات شبابية وفرق شعبية تقدم الرقصات الفلكلورية مثل اليولة والعيالة والحربية والمالد والرزيف والأهلة. ويحضر القصيد الإماراتي بقوة عبر مختارات شعرية تضمها أمسيات لنخبة من الأدباء مثل حبيب الصايغ وكريم معتوق، حسن النجار وطلال الجنيبي، إلى جانب ندوة أدبية لعبدالله النعيمي وفتحية النمر. في المشهد السعودي، تستهدف «رؤية 2030» تنمية العقل والبشر قبل تنمية الصناعة والمدن، تستثمر في بناء وصقل المواهب السعودية عبر النهل من مكونات ثقافية متجذرة ومقومات حضارية راسخة، مع الانفتاح على التجارب الإنسانية الأخرى عن يقين راسخ أنها من أهم المحفزات للتحول الوطني نحو التنمية البشرية. وتستهدف الرؤية تحديث وتطوير القطاع الثقافي والمعرفي وبناء حواضن للإبداع ومنصات للمثقفين والفنانين لطرح أفكارهم ورؤاهم وتجاربهم والتواصل والتفاعل مع المجتمع والانفتاح على التجارب الإنسانية العالمية بما يتفق مع خصوصيات وقيم المجتمع السعودي. وتخطط المملكة لإنشاء أكبر متحف إسلامي في العالم، والسير قدماً في تسجيل المواقع الأثرية في السعودية في «اليونيسكو» ضمن مواقع التراث العالمي، مع مضاعفة الخدمات الثقافية وتطويرها بما يتلاءم مع مقومات المجتمع السعودي. في المشهد السعودي انفتاح على الفن السابع وأبوالفنون والإبداع الحقيقي، والأدب والفن التشكيلي، والنافذة الأقرب هي الإمارات، ساحة لتلاقي المبدعين وتبادل الرؤى. المشهد السعودي يتقاطع ويتماثل مع نظيره الإماراتي ونلحظ وجوداً سعودياً كبيراً في التجمعات والمسابقات الشعرية في الإمارات مثل شاعر المليون، وأمير الشعراء ومن أبرزهم إياد الحكمي الذي نال البردة وتوج أميراً للشعراء في الموسم السابع للمسابقة.