يسارع المستهلكون العالميّون للحصول على طاقة موثوقة بعد الحرب في أوكرانيا، ففي خضم أزمة الطاقة العالمية والتدفقات التجارية المتقلبة نتيجة الحرب في أوكرانيا، يؤدي متداولو النفط دوراً حاسماً في تأمين الإمدادات في عالمٍ يائس في الحصول على الوقود بأسعار معقولة. ومع انضمام ما يزيد على 100 مدير تنفيذي لشركات الطاقة إلى حفلٍ تستضيفه شركة الوساطة «جينغا بيتروليوم» خلال مؤتمر آسيا والمحيط الهادئ للبترول في سنغافورة، ساد شعورٌ بأنَّ الصناعة عادت لتقف على قدميها من جديد.
لكن بدلاً من الحديث عمّا يحمله مستقبل الصناعة من مخاوف، أكَّد الحاضرون على أنَّ الوقود الأحفوري ما يزال يمثِّل العمود الفقري للاقتصاد الحديث حتى مع تحوّل العالم ببطء نحو نظام خالٍ من الكربون. فيما ذكر راسل هاردي، الرئيس التنفيذي لمجموعة «فيتول»، أكبر متداول للنفط في العالم من حيث الحجم، أنَّ «أمن الطاقة يأتي في المرتبة الأُولى، ثم يليه السعر، ثم الاستدامة»، مؤكِّداً أنَّ «هذا الترتيب للأولويات قصيرة الأجل، في حين أنَّ الأولويات طويلة الأجل تبدأ من الاستدامة، ثم السعر، ثم أمن الطاقة».
وقد أدَّت الحرب في أوكرانيا إلى اضطراب صناعة الطاقة العالمية، حيث ارتفع سعر خام برنت إلى أعلى مستوياته على مدار عدة سنوات، وظلَّ متقلباً حتى عندما محا جميع مكاسبه في الأشهر التالية. كما استمرت الأسعار العالمية للغاز الطبيعي والفحم في الارتفاع، وفقاً لمقالةٍ نشرتها «بلومبيرغ» حديثاً.
أمَّا بالنسبة للموردين الفعليين للنفط الخام والوقود، فإنَّ الاضطرابات الناجمة عن العقوبات الروسية تخلق تدفقات تجارية وفرصاً جديدة من شأنها أن تُدرَّ أرباحاً كبيرة للشركات. سينتقل المزيد من الصادرات من بحر البلطيق والبحر الأسود إلى آسيا قبل القيود الجديدة المخطَّط لها في 5 ديسمبر، ما يمهّد الطريق لتغييرات كبيرة.
ومع ذلك، فعندما يجتمع الآلاف من متداولي الطاقة معاً، فمن المحتمل وجود اختلافات صارخة في الآراء. وبينما تحدَّث مسؤولون من إندونيسيا والهند عن عدم قدرتهم على تجاهل الإمدادات الروسية الرخيصة خلال سعيهم لضمان تدفقات موثوقة، فإنَّ أولئك الذين يسعون إلى الوضوح بشأن انتعاش الصين شعروا بخيبة الأمل عندما لم يحضر المؤتمرَ سوى القليل من متداولي البر الرئيسي.
ومن ناحيةٍ أُخرى، دعا البعضُ «أوبك+» إلى الحدِّ من الإنتاج، أو المخاطرة بارتفاع السعر الفوري عن المستقبلي في الأسواق. فيما أعرب بعض التجار عن قلقهم من أنَّ الحرب في أوكرانيا قد تؤدي إلى مزيد من انقطاع الإمدادات هذا الشتاء، ما يمكن أن يتسبَّب في ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، في حين تساءل آخرون عمَّا إذا كان الركودُ الأوروبي ونهجُ «صفر كوفيد» في الصين سيعرقلان الاستهلاك.
ومن جانبه، يرى سعد رحيم، كبير الاقتصاديين في مجموعة «ترافيغورا»، أنَّ تداول النفط الآن دون المستوى الذي كان عليه قبل الحرب، نظراً للرياح المعاكسة للاقتصاد الكلي، مثل الدولار الأمريكي الأقوى والمخاوف من الركود. لكنَّ ذلك لا يُظهر الأساسيات والعوامل التي يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع الطلب وغمر السوق بقدرة احتياطية ضئيلة، مثل النهاية المحتملة لتدابير «صفر كوفيد»، وعودة السفر الدولي في الصين أو توقف الولايات المتحدة عن تشديد سياستها النقدية.
ومن جهةٍ أُخرى، نُوقش سقف السعر الذي اقترحته الولايات المتحدة على النفط الروسي، فرغم قلة التفاصيل حول الاقتراح، تهدف الولايات المتحدة إلى ضمان عدم حرمان الأسواق العالمية من مصدر إمداد مهم حتى في الوقت الذي تحاول فيه الحدَّ من عائدات الطاقة في موسكو.
أمَّا فريدون فيشاراكي، رئيس «فاكتس غلوبال إنرجي غروب»، فوصف ذلك الاقتراح بأنَّه «غير عملي، وغير ضروري، وفكرة سيئة»، في حين سلطَّ رئيس بحوث «فيتول» جيوفاني سيريو الضوءَ على تعقيدات الاقتراح في محاولة لتفنيد تأثيراته، مشيراً إلى أنَّ وضع سقف للسعر يمكن أن يكون بمنزلة «صِمَام تخفيف محتمل» لأسواق النفط العالمية التي ستشهد دون ذلك طفرةً كبيرة في الأسعار إذا ما انقطعت الإمدادات الروسية.
لا شكَّ في أنَّ التدفئة في نصف الكرة الشمالي هذا الشتاء وما يليه ستتطلَّب الكثير من إمدادات النفط والطاقة التقليدية، حتى مع سعي البلدان إلى مستقبلِ طاقةٍ نظيفة للأجيال القادمة. لكنَّ ما سيُراقَب بحرصٍ في الأشهر والسنوات القادمة، سيكون أرباحَ شركات النفط والطاقة، وأنماطها الاستثمارية، وكيفية موازنتها لتمويل أصول الوقود الأحفوري التقليدية مقابل مشروعات الطاقة المتجددة.