الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

قوة الدولار.. هل تنذر باقتراب أزمة مالية؟

قوة الدولار.. هل تنذر باقتراب أزمة مالية؟

منذ بداية عام 2022 ويواصل الدولار الأمريكي تفوقه اللافت أمام العملات العالمية والذي من شأنه أن يزيد الضغوط التي يشهدها الاقتصاد العالمي في ظل سياسية التشديد النقدي المتبع لكبح جماح التضخم.

وفي الأشهر الأخيرة ارتفع الدولار الأمريكي بقوة بدعم من سياسة الفيدرالي النقدية المتشددة، مع اتجاه المستثمرين نحو الاستثمار في الأصول الأكثر أماناً، الأمر الذي عزز من قوة الدولار وهو ما قد ينتج عنه تداعيات سلبية عديدة قد تنذر بزيادة الأزمة المالية العالمية وسط مخاوف الركود.

ومع استمرار قوة الدولار قد يؤدي إلى زيادة أزمة التضخم خاصة مع ارتفاع أسعار الواردات في العديد من البلدان، وكذلك زيادة أزمة الديون في الأسواق الناشئة، حيث تشير بلومبيرغ إلى أن صعود الدولار أسفر بالفعل عن زيادة كلفة واردات الغذاء العالمية، وتسبب في أزمة ديون تاريخية في سريلانكا، وضاعف خسائر مستثمري السندات والأسهم في كافة الأنحاء.

البلدان الناشئة، من جهته قال ديفيش مامتاني مدير الأخطار المالية رئيس قسم الاستثمارات والاستشارات في سنشري فاينانشال لـ«الرؤية» إن مؤشر الدولار ارتفع بنسبة 18% هذا العام، مدفوعاً بشكل أساسي بمكاسبه البالغة 15% مقابل اليورو، أما مقابل الجنيه والين، فارتفع الدولار بنسبة 20% و 26% حتى الآن هذا العام.

وأشار مامتاني إلى أن حجم الانخفاض في هذه العملات صدم الأسواق العالمية، وعزا الأسباب الرئيسية لقوة الدولار هذا العام للنفور التام من المخاطرة في الأسواق العالمية على خلفية ارتفاع التضخم والمواقف العدوانية من قبل البنوك المركزية والهروب المتزايد إلى الأصول قليلة المخاطر، حيث كان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد أخذ زمام المبادرة في وقت مبكر عند تحوله نحو التشدد، ما يعني أن الدولار يعزز نفسه باعتباره أصل الملاذ الآمن المطلوب.

وتابع: وفي أوقات اضطراب السوق، يكون الدولار هو الأصل الاستثماري المفضل، وهو ما أدى إلى تأثر أسواق المال، منوهاً إلى أن الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية العالمية، وأي ارتفاع حاد سيزعج ديناميكيات السوق المالية العالمية.

ووفقاً لأحدث الإحصاءات، تمثل الأوراق المالية الدولية القائمة على الدولار 45% إلى 50% من إصدار سوق السندات والدخل الثابت في جميع أنحاء العالم.

وذكر أن انخفاض قيمة العملة المحلية للدول الناشئة يؤدي إلى عوائد أقل للمستثمرين القائمين على الدولار مع التعرض للأسواق الناشئة الرئيسية مثل الهند، حيث إن دولاً مثل الهند والصين وفيتنام هي مستوردة رئيسية للسلع وقد تواجه تلك البلدان ضربة مزدوجة من ضغوط السوق المالية إلى جانب الضغوط الاقتصادية الأساسية.

وأضاف: ومن المرجح أن تعاني البلدان المثقلة بالديون في الأسواق الناشئة من الحد الأقصى حيث يقوم المستثمرون الأجانب ومستثمرو المحافظ الآخرين بسحب الأموال واستثمارها مرة أخرى في الملاذات الآمنة التقليدية مثل سندات الخزانة الأمريكية، في حين أن قوة الدولار عامل إيجابي للعملاء الأمريكيين حيث يمكنهم من شراء الواردات بسعر رخيص وهو سيناريو عكسي للمستهلكين العالميين الذين بدؤوا بالفعل بالشعور بضيق أسعار الواردات المرتفعة، أما في بعض البلدان الأفريقية، فمن المتوقع زيادة خطر المجاعات بها مع ارتفاع سعر الدولار.

وبينما تعاني الدول من تأثير ارتفاع الدولار إلا أن الاقتصاد الأمريكي يحصد ثمار هذا الارتفاع حيث، تقلص العجز التجاري للبضائع في الولايات المتحدة في أغسطس إلى أدنى مستوى منذ أكتوبر 2021، في ظل انخفاض الواردات والصادرات، ما يشير إلى الرياح المواتية للنمو الاقتصادي في الربع الثالث.

وارتفعت قيمة الدولار للشهر الثالث على التوالي في أغسطس، ما خفض كلفة الواردات، وجعل الصادرات أكثر كلفة. منذ ذلك الحين؛ ارتفعت العملة الأمريكية بشكل أكبر، إذ يشير ذلك إلى إمكانية مواجهة المصدرين لمزيد من الصعوبات في المستقبل.

مضاعفة الضغوط ومع تزايد قوة الدولار الأمريكي، قال وزير الخزانة الأمريكية السابق، لورانس سمرز «سأكون أشد قلقاً إزاء ما قد يعنيه ذلك بالنسبة للأسواق الناشئة بما لديها من ديون ضخمة مقومة بالعملات الأجنبية، أو للمؤسسات المالية» في ظل عدم وجود تناسب بين الالتزامات بالعملة الأجنبية مع الأصول، وفقاً لبلومبيرغ.

تابع: «المشكلة الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية هي» عواقب الصعود السريع في أسعار الفائدة ولا يمكنك أن تكون متيقناً من النتائج التي ستترتب على ذلك".

وقالت سيان فينر، كبيرة اقتصاديي منطقة آسيا في «أكسفورد إيكونوميكس»، لتلفزيون «بلومبيرغ»: «يعتلي الدولار عرش الملكية، ورأينا العملات عبر آسيا تخضع لضغوط، ويضيف ذلك إلى الضغوط التضخمية وترفع المزيد من البنوك المركزية الفائدة بمعدلات لم نشهدها تاريخياً».

وقال إيد يارديني، رئيس شركة أبحاث تحمل اسمه، والذي حذر من تجمع متزايد لسحب العاصفة فوق الاقتصاد الأمريكي: «نحن في فترة كآبة عالمية، ويغطي التشاؤم الدول المختلفة لأسباب مختلفة»، وكتب في تقرير اليوم الاثنين: «تتفق أحدث البيانات مع سيناريو ركود النمو الخاص بنا لكن مخاطر الركود الشامل تزداد بوضوح».

الجنيه الاسترليني وفي مطلع الأسبوع الجاري انخفض الجنيه الاسترليني بنسبة 5% مسجلاً أدنى مستوى له على الإطلاق.

وكانت نسبة الانخفاض هذه هي الكبرى منذ مارس 2020، وذلك ما أدى إلى ارتفاع احتمالات تراجع العملة البريطانية إلى مستوى التعادل مع الدولار هذا العام والتي زادت إلى 63%.

وفي الأيام الأخيرة ارتفعت عائدات السندات بجانب هبوط الجنيه نتيجة تعهد الحكومة بالمضي قدماً في التخفيضات الضريبية، وتجاوز العائد على سندات لأجل 10 سنوات 4% لأول مرة منذ 2010 مع تعزيز المتداولين الرهانات على وتيرة وحجم زيادات الفائدة من قبل بنك إنجلترا.

الهروب من الأسهم ومع قوة الدولار وارتفاع معدلات التضخم واتجاه الحكومات للتشديد النقدي خلال الآونة الأخيرة تعرضت أسواق المال العالمية للضغوط الحادة، حيث أظهر مسح لـ«بنك أوف أميركا» أن المستثمرين يفرّون من الأسهم فراراً جماعياً جراء شبح الركود، وتقف المخصصات للأسهم عند مستويات متدنية قياسية، أما الاستثمار في النقدية فهو عند أعلى مستوى على الإطلاق.

وذكر بنك أوف أمريكا أنه مع تصاعد المخاوف بشأن الاقتصاد، وصل عدد المستثمرين الذين يتوقعون ركوداً إلى أعلى مستوياته منذ مايو 2020، مع بقاء المعنويات «متشائمة للغاية»، مع تأثير أزمة الطاقة في الرغبة في المخاطرة، وقلص 42% من المستثمرين العالميين وزن الأسهم الأوروبية، وهي أعلى نسبة من نوعها على الإطلاق.

السلع- وعلى صعيد السلع، هوى الذهب مطلع الأسبوع الجاري إلى أدنى مستوياته منذ عام 2020، فيما هبط كل من النحاس وخام الحديد، حيث أدى ارتفاع الدولار إلى مستوى قياسي جديد إلى تأجيج المخاوف بشأن آفاق الاقتصاد العالمي.

وحسب بلومبيرغ، أصبح مديرو الأموال الأسبوع الماضي الأكثر تشاؤماً بشأن الذهب منذ ما يقرب من أربع سنوات، إذ رفعت البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم أسعار الفائدة في محاولة لاحتواء الأسعار المرتفعة. وعادةً ما يكون للمعدن الذي لا يعتمد على الفائدة والمُسعَّر بالعملة الأمريكية ارتباط سلبي بالدولار والأسعار.