الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

مصارف لبنان تصارع من أجل البقاء وسط أزمة حادة

مصارف لبنان تصارع من أجل البقاء وسط أزمة حادة

تضرر القطاع المصرفي في لبنان بشدة جراء الانهيار الاقتصادي الحاد للبلاد، وتكبد خسائر هائلة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، مخلفاً مستقبلاً مجهولاً وغامضاً لمقرضي البلاد.

إلا أن المصرفيين يقاومون محاولات دفع مساهميهم الى تحمل تلك الخسائر، ويحاولون -عوضاً عن ذلك- إلقاء العبء على الحكومة أو المودعين.

كما تقاوم الطبقة السياسية في البلاد، التي ألقي باللوم عليها، مساعي الإصلاح.

إعادة هيكلة القطاع المصرفي مطلب رئيسي لصندوق النقد الدولي لإخراج لبنان من أزمته المالية التي أصابت البلاد بالشلل.

ومن المرجح أن تجبر الإصلاحات التي اقترحها صندوق النقد غالبية البنوك الـ46 في البلاد -وهو عدد ضخم بالنسبة لدولة يبلغ عدد سكانها 5 ملايين نسمة- على الإغلاق أو الاندماج.

خلال فترة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاماً وانتهت عام 1990 كان القطاع المصرفي قاطرة ازدهار اقتصاد البلاد، حيث كان يقدم فوائد مرتفعة جذبت استثمارات وودائع من أنحاء العالم.

لكن الآن لا يتسنى لمعظم المودعين الوصول إلى مدخراتهم، بعدما قام مقرضو البلاد لسنوات باستثمارات محفوفة بالمخاطر من خلال شراء أذون الخزانة اللبنانية.

كانت هذه الممارسات من مسببات الأزمة الاقتصادية التي بدأت في أكتوبر 2019.

اليوم لا تقدم المصارف اللبنانية قروضاً ولا تستقبل ودائع جديدة، وتعيد للمواطنين جزءاً صغيراً فقط من مدخراتهم الدولارية بسعر صرف أقل بكثير من القيمة السوقية.

يقول المستشار المالي ميشال قزح، وهو أيضاً كاتب عمود اقتصادي في صحيفة لبنانية: «أصبحت مصارف لبنان من الأحياء الأموات».

وفي الأشهر الأخيرة اقتحم عدد من المودعين الغاضبين فروع مصارف في لبنان للحصول على مدخراتهم بالقوة، ما أدى إلى مواجهات مع الموظفين الذين هم بدورهم من ضحايا الأزمة، فمنذ بدأت انخفض عدد موظفي البنوك بمقدار الثلث، إلى أقل من 16500 موظف، وأغلق واحد من كل خمسة فروع.

تقول جنان حايك، التي فقدت وظيفتها كمديرة فرع في أحد أكبر مصارف البلاد منذ عامَين، إنها تتفهم مأساة المودعين، لكن فروع البنوك مقيدة تحت الأحوال الاقتصادية الحالية.

وفي مخبز فتحته بعد تسريحها من العمل في بلدة بكفيا الجبلية قالت: «هناك بعض الأشخاص الذين لا يحصلون على الطعام لأن أموالهم عالقة في البنك»، مضيفة أنها سعيدة لكونها بعيدة عن تلك المعركة.

مستقبل البنوك غير واضح، إذ دعا اتفاق مبدئي بين صندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية تم التوصل إليه في أبريل، إلى «تقييم بنكي بمساعدة خارجية لأكبر 14 مصرفاً»، لكن حتى الآن لم تتخذ أي إجراءات من جانب الحكومة أو المقرضين.

وأعلن القطاع المصرفي معارضته الشديدة للإجراءات المقترحة التي من شأنها أن تلقي عبء خسائر النظام على المساهمين بدلاً من المودعين.

وتقدر خطة الحكومة المقترحة للتعافي الاقتصادي التي أعلنت في سبتمبر خسائر القطاع المالي بنحو 72 مليار دولار، معظمها في البنك المركزي.

وأشارت الخطة إلى أن الحجم الهائل للخسائر يعني أن البنك المركزي لا يمكنه إعادة معظم أموال للبنوك ولا تستطيع البنوك إعادة معظم أموال المودعين.

وجاء في تقرير حديث للبنك الدولي أن الخسائر تزيد عن ثلاثة أضعاف إجمالي الناتج المحلي عام 2021، ما يجعل عملية الإنقاذ مستحيلة بسبب عدم وجود أموال عامة كافية، مضيفاً أن أفضل حل هو «تحميل كبار الدائنين والمساهمين كلفة إعادة هيكلة المصارف»، وليس صغار المودعين.

عارضت البنوك هذا الحل، واقترحت بيع أصول الدولة أو استثمارها لتعويض الخسائر على المدى الطويل.

ووجه نسيب غبريل، كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس، أحد أكبر المصارف اللبنانية، اتهامات للحكومة بأنها «تنازلت بالكامل عن مسؤوليتها».

واستطرد قائلاً إنه حين كان القطاع المصرفي يجتذب العملات الأجنبية من أنحاء العالم فشلت الحكومة في تنفيذ أي إصلاحات هيكلية بل وبددت الأموال، وإن قراراً صدر عام 2017 بزيادة رواتب موظفي الخدمة المدنية، قدرت مبدئياً بنحو 800 مليون دولار، انتهى به الأمر بكلفة ثلاثة أضعاف، ما ضاعف العجز المالي في عام واحد واسهم في خلق الأزمة المالية الحالية.

وذكر أيضاً أن المصارف تأثرت أيضاً بقرار الحكومة عدم سداد ديونها الخارجية في مارس 2020.

قال قزح، كاتب العمود المالي، إن تغطية الخسائر لا زال ممكناً من خلال قيام شركة تدقيق بمراجعة الحسابات وإعادة الأموال التي تم تحويلها بشكل غير مشروع خارج البلاد من جانب شخصيات نافذة بعد بدء الأزمة.

في غضون ذلك، أحرزت المحادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن الإصلاحات المقترحة، تقدماً طفيفاً.

ففي أكتوبر وافق مجلس النواب اللبناني على تعديل قانون سرية الحسابات المصرفية، وهو أيضاً من مطالب صندوق النقد، لكن البعض يقول إن هذه التعديلات ليست كافية.

ولا يزال البنك المركزي يستخدم العديد من أسعار الصرف في وقت يضغط فيه صندوق النقد من أجل توحيدها تحت مظلة سعر واحد.

إحراز تقدم بشأن الإجراءات المقترحة الأخرى عالق الآن وسط فراغ السلطة في الرئاسة ومجلس الوزراء.

ومؤخراً أدلى نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي، الذي يقود المحادثات مع صندوق النقد، بتصريحات مفادها أن جميع الودائع التي تبلغ قيمتها 100 ألف دولار فأقل ستعاد إلى المودعين، بينما سيتم تعويض أصحاب الودائع الأكبر على مدى طويل من خلال صندوق سيادي.

وقال: «لا توجد خطة عادلة لجميع المودعين».

كما ذكر أمين سلام، وزير الاقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال، أنه كلما ناقشت الحكومة توزيع الخسائر والمسؤوليات، يتم الدفع باتجاه آخر من جانب البنوك.

وأضاف إن الحكومة تدرك أنه «يجب أن تنقذ القطاع المصرفي، لأنه بدون قطاع مصرفي لن نتمكن من إعادة الاقتصاد للوقوف على قدميه».