2018-05-23
هناك شيء غير مفهوم يحدث في وقتنا الراهن بدأ يتسرب إلى الممارسات الإعلامية الظاهرة عبر شاشاتنا الفضائية العربية والممتد أثرها إلى منصة تويتر، المصب وأحيانا المكب، حيث يتبلور التفاعل بين الرسالة ومرسلها ومتلقيها بأشكال مختلفة أبسطها المشاركة وأكثرها تعقيداً التحزب الرقمي، إن صح تعبيرنا، والأخير يظهر جلياً من خلال ظاهرة الوسم وتبعاتها.
إن اختيار فكرة برنامج ما يفترض أن يقوم على قاعدة متينة أساسها البحث المتعمق لحاجة المجتمع واعتبارات السوق وعناصر أخرى تحددها السياسة العامة والضوابط والمعايير المهنية وقبل ذلك قناعات المجتمع وثوابته الدينية والأخلاقية وأعرافه، وذلك أمر لا يمكن القفز عليه حتى وإن سولت للعقول أفكارها أو اختلفت الأغراض تسويقية كانت أو أيديولوجية، خصوصاً وأن التغيير الفكري هو أمر استغرق قروناً في بعض المجتمعات التي نعترف لها بالتقدم الحضاري.
ثم ما السبب من وراء إطلاق برامج تلفزيونية تطرح مضامين من العيار الفكري الثقيل؟ بمعنى هل تجري مناقشة الأهداف من وراء هذا الطرح قبل تقديمه إلى الجمهور وجبة ذهنية صعبة الهضم عند العموم خصوصاً في شهر رمضان المبارك؟ وإن كنا نتحدث عن معيار كالحرية في الطرح، فأين تتوقف حدودها؟ عند عتبة القوانين الملزمة أو عند اللحظة التي ينفجر فيها بركان من الاستياء العام لأسباب يراها معظم المتابعين ماسة بثوابت نشؤوا عليها؟
كما أن هناك الديمقراطية الإعلامية وهي أحد المسرات التي أسبغتها التكنولوجيا علينا، وقد برزت بعض مظاهرها من خلال منصة تويتر حيث يجري تبادل الآراء والاتهامات على حد سواء بين الفرق غير المتفقة، والتمسك بالمواقف الفكرية وإظهار ردود الفعل في سبيل الضغط لإحداث التغيير المرغوب من الجمهور.
وبين هذا وذاك يتحول الأمر إلى فوضى أعتقد أن من واجب قنواتنا وضعها في الحسبان، لأنها يمكن أن تتحول إلى فوضى غير خلاقة إذا لم يتم توخي الحذر فيما يجري طرحه وتداوله، ففي عصر شبه الديمقراطية الرقمية الذي نعيشه، لم يعد مقبولاً أن تطرح فكرة ما دون تقديم البدائل، ولا أن تفرض حضوراً شخصياً دون أن يقابله حضور آخر يمكن أن يحقق التنوع المثري للمحتوى، خصوصاً وأننا نتعامل اليوم مع جمهور لم يعد هو المتلقي بل الصانع أيضاً.
[email protected]