2018-05-24
حتى قبل أن ندرك ما هو الصيام فعلاً وكيف نصوم، أصبحنا نتعلم تعريف الصيام ومآثره خلال حصص التربية الإسلامية، وكان المعلمون غالباً ما يستشهدون بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صومو تصحوا).
وكنا في سنوات صيامنا الأولى نصوم على مضض من دون أن نعي فعلاً فوائده لنا، فالحرمان من الطعام لم يكن مفهوماً لدينا على الرغم من دراستنا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ).
ولا شك في أننا بعد ذلك قرأنا قول طبيب العرب الحارث بن كلدة (المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء)، ومن منا لم يُصب بمختلف اضطرابات المعدة الناجمة عن الطعام بشكل أو بآخر، لندرك ونعي بعد ذلك بأن المعدة فعلاً هي بيت الداء.
الحديث عن الفوائد المادية للصيام على البدن يطول ويحتاج إلى سلسلة مقالات لسردها بشكل وافٍ، بيد أنه حري بنا الاهتمام بالقدر نفسه، بل وربما أكثر من ذلك، بفوائد الصيام المعنوية التي لا تعد ولا تحصى.
فالصيام مثلاً فرصة لإثبات عدم علاقة معظم خطايانا بوساوس الشيطان الذي يصفّد مع قبيله خلال شهر رمضان، وهذه ليست دعوة لتبرئته قطعاً، وإنما التشديد على أن النفس مسؤولة عن تسيير الأفكار نحو الخطايا، أو معظمها لتوخي الدقة.
كما أن الملامة التي يضفيها الصيام على الأنفس تقلل من نزوعها لممارسات كانت تبدو اعتيادية في غير رمضان، كالكذب والنميمة، وكأن الشيطان كان يكتم أنفاس الضمير طوال العام لكيلا يعلو صوتها فوق همساته.
إذن فالصيام فرصة لتطبيب النفس وتهذيبها من الشوائب، ولا سيما أن كذبة (الشيطان قص علي) لم تعد تنطلي على أحد.
[email protected]