الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

نِداء

منذ بدء الخليقة والبَشر يتواصلون مع بعضهم بعضاً، لم يكن للّغة وجود حينئذ؛ فتواصلوا بالإشارات والهمهمات والصّفير والرسوم على الصخور وجدران الكهوف، وشيئاً فشيئاً تطورت اللغة، حتى إن للنداء حروفاً تختصّ به في اللغة العربية، وتعلّم الناسُ طُرق النداء فيما بينهم، وما يتعلق بها مِن آداب ومراعاة لعُمر المنادَى ومكانته الاجتماعية. هناك نِداء أعمق مِن نداء الصوت المسموع، إنه نداءُ القلوب لبعضها، ومناجاة الأرواح للأرواح، وإذا فُقِدَ هذا النوعُ مِن النداء؛ فلا قيمة لأيّ صوت ينبعث مِن حناجرنا، ولا يمكن أن نتجاهلَ التواصل بين الأشخاص عقلياً، أو ما يُسمّى: التخاطُر، وهو أمرٌ في غاية الدهشة والتشويق، ويستحق بعض الفضول المعرفي للقراءة عنه والاطّلاع عليه. للنداء أهمية كبيرة فيما يختصّ بعلوم الأديان، وفي الدِّين الإسلامي يأتي النداءُ بمعنى الأذان والدعاء، قال الله تعالى عن زكريا عليه السلام ﴿إذ نادى ربَّهُ نداءً خَفِيّاً﴾، وقال سبحانه عن يونس عليه السلام ﴿فنادى في الظلماتِ أن لا إلهَ إلا أنتَ سبحانكَ إنّي كنتُ مِن الظالمين﴾. يا نبض القلب، يناديكِ لساني؛ فيَحملُ الأثيرُ صوتي إلى أُذنيك، ويأتيني ردُّكِ غيثاً يروي مسَاحاتِ عُمري، ويمنحني وعداً بالبقاء في الجوار، وتنادي روحي روحك؛ فيترّددُ جوابُكِ صدىً في أنحاء فؤادي، ويتسرّبُ الدفءُ إلى خلايا جسدي، ويتجدّد الأملُ في حياتي، ولطالما ناديتُكِ وأنا لا أريدُ شيئاً، ولكن لأستأنسَ بصوتك، وأطمئنَّ بوجودكِ معي. [email protected]