السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

جسد

في وسط شديد المادية على المستوى العالمي؛ بتنا نتعامل بشكل مفرط مع كل الأمور باعتبارها فيزيائية الوجود قبل أن تكون معنوية.. جزء من ذلك التعامل هو كيفية تعاملنا مع أجسادنا وبشكل لا واع غالباً باعتبارها كيانات مادية، وعليه فإن كل عطب يصيبها ما لم يكن فيزيائياً بالدرجة الأولى فإنه قابل للتأجيل.. حتى تتفاقم التراكمات ليصبح الإمساك بأصل المعضلة المعنوية الكامن خلف العطب الفيزيائي أشبه بالبحث عن تلك الإبرة الشهيرة في كومة القش. يستند الفيلم الفرنسي «مون روي» على قصة بسيطة جداً في بدايتها، حيث السيدة التي تقضي إجازة شتوية للتزلج، لتصاب بإصابة في الركبة اليسرى تهددها مبدئياً بالعطب طويل الأمد ما لم تحرص على فترة معينة من العلاج الطبيعي، في هذه الفترة ينقلنا الفيلم إلى مناطق عشوائية متنوعة من ذاكرة السيدة، لتعود بها إلى مرحلة محورية في حياتها، وهي تختار شريكاً جديداً لحياتها بعد انفصال سابق .. وما مرت به تلك العلاقة من تغيرات متنوعة من السعادة إلى السخط والغضب والخذلان انتهت بالانفصال الثاني؟ ولأن الحياة اليوم بكل ما فيها من تعقيدات.. وتفاصيل مروعة بها ما هو مادي لا يقارن بحادثة انفصال عابرة، كان على السيدة المحامية أن تواصل حياتها متعاملة مع العطب الروحي باعتباره سيمضي مع الوقت، لكن هذا لم يحدث بالطبع.. حتى جاءت الإصابة لتعطلها عن ذلك المضي على مضض لتضعها في مواجهة العطب الحقيقي، عطب الروح الذي ظنته عابراً .. لتكتشف في وسط رحلة التعافي أن المعنى خلف هذا الجسد كامن في عطب الروح دون ما سواها وأنها لكي تجد الطريق الحقيقي، مفتاح ذلك الجسد المتهاوي عليها أن تفتش في روحها عميقاً. «الحقيقة أيها السادة هي خيبة أملنا وحريتنا».. تقول بطلة الفيلم في مشهد من المشاهد، ولعلها - أي الحقيقة - بشكلها غير المادي.. والمتسرب كأجزاء صغيرة متوزعة على كل ما في حياتها بأوجهه المتعددة هو أمر نتعامل معه بشكل وهمي وعابر، لا أشير هنا إلى فكرة الحقيقة الكبرى التي تعد وهماً في خضم كل تشابكات العالم، ولكنها التفاصيل الصغيرة مواجهة حقيقة مشاعرنا حقيقة فهمنا للآخر حقيقة أن الجسد هو أكبر من مجرد كيان فيزيائي مجرد، وإن تعاملنا مع تلك الندوب اللامرئية باعتبارها حقائق تتطلب المعالجة برغم كل ما قد تستحضره من خيبات آنية، فإننا بذلك فقط قد نستطيع أن ندرك منفذاً للأمل مهما كان ضوءه خافتاً في البداية. [email protected]