الثلاثاء - 03 ديسمبر 2024
الثلاثاء - 03 ديسمبر 2024

في رحيل فارس من وطن الكرامة

في كل رحيل، لقامة من قامات هذا الوطن الأغر، نشعر وكأن شيء من الرحمة غادرتنا أو رُفعت عنا!، نبقى واجمين أمام ذلك الحيّز الذي استملكوه في نفوسنا يوماً طوعاً بطبيتهم وبسمو معانيهم طوال مسيرة حياتهم بيننا، لنحتار في ذلك الفراغ الموحش من بعدهم الذي كانوا يملؤونه بحضورهم البهي.. بقاماتهم المخضرة بطيب وغار الفروسية، الذين دائماً ما كنا نحسبهم أثراً زكياً من نفحات الجنة! بالأمس، غادرنا الوجيه الكريم الوالد الشيخ مبارك بن قرّان المنصوري، بعد رحلة طويلة من العمل والجد والإخلاص، كانت رحلة من عمل شاق وكد وتعب، رافق فيها الوالد الباني، طيّب الله ثراه، زايد الخير في مرحلة التأسيس حتى مرحلة التمكين، في مسيرة لم تكن معبّدة بالورود على الإطلاق كان فيها خير عضيد وخير صاحب وخير من يحتكم إليه الرجال. في رحيل تلك القامة الباسقة التي آلامنا فراقها كثيراً، يثبت بما لا يقبل الشك بأن الرجال الحقيقيين يبقون «سيرة عطرة» أولاً وأخيراً، وقيمتهم بما يتحلون به من شيم ومناقب وأفعال جليلة لا يرتقي مناكبها إلاّ رجال عرفوا واجباتهم ومضوا في دروب الحياة من قبل أن يطالبوا بحقوقهم، يبقون علامة فارقة بارزة على جبين الفروسية، بصيتهم الطيب وبأثرهم الإنساني العميق الذي يحفرونه في الوجدان وذاكرة الناس، وبأن أي امتياز يتحصل عليه الفرد في هذه الحياة لا بد أن يُسخر لخدمة ومنفعة الآخرين، بعكس ما يعتقد «البعض» منا ويتوهم. الكريم «بن قرّان»، كان من أوائل أولئك الرجال الأوفياء المخلصين، الذين عملوا بحب للوطن، سعى في الخير وفي دروبه سراً وعلناً، عمل بقدر إيمانه بأن الإنسان في هذه الحياة لا يعمل لنفسه، فقط، بل مهمته الأسمى التي سخره الله لأجلها تبقى هي خدمة الناس واستقرار المجتمع وعمارة الأرض التي يحيا فيها؛ وكذلك كان هو ذلك الكريم، بشهادة كل من عرفوه وعاشروه أو التقوا به. حاضراً وغائباً، يبقى الراحل الوالد مبارك بن قرّان المنصوري، رحمه الله، ذاكرة زاخرة بالخير وذكرى عطرة في سجل مسيرة الدولة، واحداً من فرسان وطن الكرامة الذين خطوا سيرتهم ورحلتهم في الحياة، بمداد من تعب وصبر وبطيب المعاني ونبل وشيم وحكمة الرجال الحقيقيين المخلصين.