الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الإسلام المتسامح

إن السواد الأعظم من الفقهاء في التاريخ الإسلامي هم أهل التيسير والورع في الفتيا، ولكن ما تم رصده، في حقبة الإرهاب المعاصر، أن أهل السوء دأبوا في السعي على باطلهم، واستهجنوا أن يكون هذا الدين بهذا التنوع والتقسيم، ولم يقفوا إلا على تلك التأويلات الباطلة، التي هي أصل أسباب الخصومة والفرقة. ونُفاجأ اليوم عندما يتصدر هذا الزخم من الفتاوى المتسامحة والميسرة، وما هو جائز ومقبول عند السلف الصالح، سواء في الفن والجمال والترفية إلخ، ما يتسع ويشمل بمجمله كل ما خلَّفه العلماء المسلمون عبر العصور من مؤلفات في شتى فروع المعرفة الدينيَّة، فالمسلم تم تغييبه عن تلك الآراء الفقهيّة المتسامحة. ما بين الإسلام الحديث والتقليدي هناك جماعة أتمَّت اختطاف الإسلام الحقيقي، فأصبح ملكاً يتمُّ تصريف فتاواه بما يوافق آراء تلك العصابة، لا ما اتفق عليه إجماع الفقهاء، أو ما تمَّ قبوله من باب التعدُّد الفقهي المطلوب، بل توثيق ما تمَّ رفضه من أهل الجماعة وأرباب الورع والزهد. لا بدَّ من مواجهة ومحاكمة من حاول حجب بطون الكتب الفقهيَّة المتسامحة وطمسها، ومنع التداول والتعريف بها وبما تضمه من مكنونات تشهد على عظمة هذا الدين وتسامحه، وما تم إقصاء جذور هذا الفكر المتسامح من تراثنا الفقهي، إلا للتأصيل لنوعيَّة من الفكر المتشدد أغلب صفاته هو فقه سد الذرائع، المبالغ فيه، الذي بسببه تجرعنا كل الأفكار البالية التي اتسمت بالظلاميَّة والانغلاق، فهذا التراث ليس ديناً أصيلاً كما يروجون له، كما أنه ليس مقدساً يجب الالتزام به، فهي نصوص واجتهاداته مرتبطة بأزمانها وأماكنها. فالمؤرخون وكتاب الفقه والعلماء والمحدثون تعاملوا مع نوعيَّة معينة من التراث الفقهي المختلف معه بتوثيقه، وعدم مصادرته، واحترام الاختلاف لا لكونه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، بل ينقل لنا تجربة بشريَّة وحصاداً إنسانياً بالإمكان نقده ونقضه وتهذيبه والتطوير فيه بما يتناسب مع الزمان والمكان، ومع ما تحمله الوقائع الخاصة بكل عصر وبكل حضارة. فالإسلام بمكونه التشريعي يتوافق مع الفطرة والإنسانيَّة والرحمة، فالأوضاع السيئة التي خضنا غمارها جعلتنا نسترد عافية الإسلام الوسطي المتسامح الذي ألفه علماء ربانيون وألفه آباؤنا وأجدادنا، ليس ثمة إسلام جديد نصنعه يقابل الإسلام المتشدد، بل هناك إسلام حقيقي نسترده، بل يتم إعادة تشكيله كما كان، وكما فهمه السلف الصالح في إطار من الانفتاح والتعدديَّة، وقبول الآخر واحترام رأيه. [email protected]